الْعَدَدِيِّ كَالتَّخْصِيصِ بِالْوَصْفِ كَأَنَّهُ قَالَ جَاءَنِي زَيْدٌ) لَمَّا جَمَعَ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى كِلَيْهِمَا تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ الْفَرْقَ الَّذِي بَيْنَهُمَا، وَهُوَ أَنَّ عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَخِيرِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إذَا كَانَ عَدَدِيًّا كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ عَشْرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً فَهُوَ كَقَوْلِهِ: لَهُ عَلَيَّ سَبْعَةٌ فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى كَوْنِ الْحُكْمِ فِي الْمُسْتَثْنَى مُخَالِفًا لِحُكْمِ الصَّدْرِ كَالتَّخْصِيصِ بِالْعَلَمِ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ.
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدَدِيٍّ كَجَاءَنِي الْقَوْمُ إلَّا زَيْدًا فَهُوَ كَقَوْلِهِ: جَاءَنِي مِنْ الْقَوْمِ غَيْرُ زَيْدٍ فَيَكُونُ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى كَوْنِ الْحُكْمِ فِي الْمُسْتَثْنَى مُخَالِفًا لِحُكْمِ الصَّدْرِ كَالتَّخْصِيصِ بِالْوَصْفِ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ زَيْدٍ صِفَةٌ، فَلَا فَرْقَ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ إذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ غَيْرَ عَدَدِيٍّ بَيْنَ إلَّا وَغَيْرِ صِفَةً.
(وَعَلَى الْمَذْهَبِ الثَّانِي آكَدُ مِنْ هَذَا) أَيْ: الْمَذْهَبِ الثَّانِي هُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَشَرَةِ عَشَرَةُ أَفْرَادٌ، وَالْإِخْرَاجُ قَبْلَ الْحُكْمِ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ آكَدُ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى كَوْنِ الْحُكْمِ فِي الْمُسْتَثْنَى مُخَالِفًا لِحُكْمِ الصَّدْرِ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْعَلَمِ وَالْوَصْفِ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُمَا.
(لِأَنَّ ذِكْرَ الْمَجْمُوعِ أَوَّلًا ثُمَّ إخْرَاجَ الْبَعْضِ ثُمَّ الْإِسْنَادَ إلَى الْبَاقِي يُشِيرُ إلَى أَنَّ حُكْمَ الْمُسْتَثْنَى خِلَافُ حُكْمِ الصَّدْرِ بِخِلَافِ جَاءَنِي غَيْرُ زَيْدٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ: عَلَى الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ (يَكُونُ إثْبَاتًا وَنَفْيًا بِالْمَنْطُوقِ)
ــ
[التلويح]
مَعْقُولٍ بَلْ هُوَ إنْكَارٌ لِلْحَقَائِقِ بِخِلَافِ وُجُودِ التَّكَلُّمِ مَعَ عَدَمِ حُكْمِهِ أَيْ: الْأَثَرِ الثَّابِتِ بِهِ بِنَاءً عَلَى مَانِعٍ فَإِنَّهُ شَائِعٌ مُسْتَفِيضٌ كَالْعَامِّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ يَمْتَنِعُ حُكْمُهُ فِي الْقَدْرِ الْمَخْصُوصِ فَهَاهُنَا يَثْبُتُ التَّكَلُّمُ بِالْكُلِّ، وَيَنْعَقِدُ الْكَلَامُ فِي نَفْسِهِ إلَّا أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْحُكْمُ فِي الْقَدْرِ الْمُسْتَثْنَى لِوُجُودِ الْمُعَارِضِ، وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ.
وَتَقْرِيرُ الثَّانِيَةِ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَمِنْ الْإِثْبَاتِ نَفْيٌ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْمُسْتَثْنَى مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الصَّدْرِ فَيَكُونُ مُعَارِضًا لَهُ لَا فِي حُكْمِ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَتَقْرِيرُ الثَّالِثَةِ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَنَا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ كَلِمَةُ تَوْحِيدٍ أَيْ: إقْرَارٍ بِوُجُودِ الْبَارِي تَعَالَى وَوَحْدَانِيِّتِهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَمَلُ الِاسْتِثْنَاءِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ، وَإِثْبَاتِهِ حُكْمًا مُخَالِفًا لِحُكْمِ الصَّدْرِ لَمَا لَزِمَ الْإِقْرَارُ بِوُجُودِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ بِنَفْيِ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْ مَا سِوَاهُ، وَالتَّوْحِيدُ لَا يَتِمُّ إلَّا بِإِثْبَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَنَفْيِهَا عَمَّا سِوَاهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ دَهْرِيٌّ، مُنْكِرٌ لِوُجُودِ الصَّانِعِ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَرُجُوعِهِ عَنْ مُعْتَقَدِهِ فَثَبَتَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَدُلُّ عَلَى إثْبَاتِ حُكْمٍ مُخَالِفٍ لِلصَّدْرِ هَذَا تَقْرِيرُ الْحُجَجِ عَلَى وَفْقِ مَا ذَكَرَهُ الْقَوْمُ احْتِجَاجًا بِهَا عَلَى أَنَّ عَمَلَ الِاسْتِثْنَاءِ بِطَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ، وَأَنَّهُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَبِالْعَكْسِ.
وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ هَذَا عِبَارَةٌ عَنْ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ حُجَجًا عَلَى إثْبَاتِهِ، وَأَيْضًا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ الْمَذْهَبَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute