المراد هنا بتعدد النازل أن تكون الآيات النازلة بسبب واحد متعددة المواضع فبعضها في سورة، وبعضها في سورة أُخرى مع أن السبب الذي أدى إلى نزولها واحد، وقد ذكر المعاصرون أمثلة لهذا، أعرضت عنها لعلمي بضعفها في الدلالة على المقصود باستثناء مثال واحد ذكروه أرى أنه موافق للصواب، وسأشير إليه عند تدوينه وإليك الأمثلة:
١ - أخرج النَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت له قريش: أنت خير أهل المدينة وسيدهم؟ قال: نعم، قالوا: ألا ترى إلى هذا المنْبَتِر من قومه يزعم أنه خير منا؟ ونحن - يعني أهل الحجيج وأهل السدانة - قال: أنتم خير منه فنزلت: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) ونزلت: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) - إلى قوله -: (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا).
ب - أخرج البخاري وأحمد ومسلم والنَّسَائِي عن المسيب قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوجد عنده أبا جهل وعبد اللَّه بن أبي أُمية بن المغيرة، فقال:(أيْ عمِّ، قل لا إله إلا اللَّه، كلمةً أحاجُّ لك بها عند اللَّه) فقال أبو جهل، وعبد اللَّه بن أبي أُمية: أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعرضها عليه، ويعيدانه بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا اللَّه قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (واللَّه لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك)