من رحمة اللَّه بهذه الأمة حفظه لكتابها الذي لا يقوم دينها إلا به، وصيانته من التحريف والتبديل الذي نال كثيراً من الكتب السماوية السابقة فقال - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، بل زاد على ذلك أن صانه من الاختلاف والتناقض فقال - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)، فتمت بذلك كلمة ربك صدقاً وعدلاً أن الاختلاف واقع ولا بد إلا من المعصوم - صلوات الله وسلامه عليه - كما قال عنه ربه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)، وإن نظرةً في العلوم عامةً على اختلاف مشاربها، وتنوع مصادرها تجد فيها اختلافاً كثيرًا، فما كان بالأمس من النظريات ثابتًا قائماً لا يجوز تكذيبه، أصبح اليوم نائمًا لا يجوز تصديقه، وما كان في السابق من الظنيات أصبح في الحاضر من الحقائق المسلّمات.
وليست علوم الشريعة بجميع تخصصاتها بلا استثناء سِلْمَا من هذا فقد نالها حظها ونصيبها من الاختلاف، إلا أن ما يميز تلك العلوم عن غيرها ثبوت الأصلين شامخين معصومين من الخطأ والزلل، كتاب الله، وسنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مما يفتح الباب واسعًا لكل من ينشد التحقيق والتدقيق في تحرير المسائل وتصويبها إن استمسك بغرز هذين الأصلين.
وإن علوم التفسير عامة، وأسباب النزول على وجه الخصوص قد أصابها ما أصابها من ذلك، فتجد من يقول: سبب نزول الآية كذا، وآخر يقول: هذا لا يصح أن يكون سببًا لها، وآخر يذكر حدثًا ثم يقول: فأنزل الله، وآخر يذكر القصة نفسها ثم يقول: فتلا عليه، أو يقول: فذلك قوله تعالى.