لتاريخ النزول القرآني قَرُبَ أم بَعُدَ دوره الحيوي في الترجيح بين الروايات الواردة في أسباب النزول وقبل أن أذكر الأمثلة الدالة على هذا الدور أود إيضاح أن الأمر هنا لا يخلو من حالين:
الأولى: أن يسبق النزولُ السببَ، كأن تنزل الآية في مكة، ثم يقع السبب في المدينة، أو تنزل الآية في أوائل الهجرة، ثم تقع قضية السبب في أواخرها فهذه الحال لا صلة لها بهذا المبحث، إذ ليست من أسباب النزول؛ لأن النزول لا يتقدم السبب، ويكون هذا من نزول القرآن ابتداء. وإنما ذكرتها هنا لكمال التقسيم.
الثانية: أن يسبقَ السببُ النزولَ وهذا ينقسم إلى قسمين:
الأول: أن يقع السبب قبل الهجرة، وتنزل الآية بعدها، أو يقع السبب في أوائل الهجرة، وتنزل الآية في أواخرها، فهذا من حيث السبْق لا يمنع السببية، لكن يعكر عليه فارق الزمن بين السبب والنزول لأنه طويل، ولا يعهد أن يتباعد السؤال عن الجواب، والقضية عن نزول حكمها، كما إني لم أجد في بحثي مثالاً صحيحًا صالحًا لهذا.
الثاني: أن يقع السبب والنزول معًا قبل الهجرة أو بعدها في زمن متقارب وهذا هو الكثير الغالب، لكن قد يتأخر النزول عن السبب لأمر تقتضيه حكمة الحكيم العليم، كما وقع في قضية كعب بن مالك، وصاحبيه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حين تخلفوا عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة تبوك، فقد نزلت توبة اللَّه عليهم بعد خمسين ليلة من اعتذارهم، وقريب من هذا قصة الإفك حيث تأخر النزول شهرًا لا يُوحى إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شأنه شيء ثم أنزل الله تعالى الآيات، ومع