ومنهم من يقول: نزلت هذه الآية بمكة، وآخر يقول: بل نزلت في المدينة، وثالث يقول: بل نزلت مرتين.
اختلاف وتباين يجعل الحليم حيرانًا، يقرأ وينظر لكنه لم يستفد إلا بلبلة الفكر وتشتت الذهن.
وقد حاولت في هذا المبحث جمع الأسباب التي قادت إلى الوقوع في الخطأ وحصرها مع التمثيل لكل منها بعدد من الأمثلة ليتبين للناظر حقيقة الأمر بدليله.
وإني أعتقد جازماً أن هذا المبحث ثمرة حسنة من ثمار البحث لأمرين:
أولاً: أن العلم بسبب الخطأ سبب للوقاية منه، وقد قيل: من لا يعرف الشوك لا يتقيه.
ثانياً: الوقوف على القواعد المعتبرة، والضوابط المقررة في تحديد سبب النزول من غيره، وإن العلم بالخطأ يورث العلم بالصواب، وقد قيل: وبضدها تتميز الأشياء.
وقد تبين لي بعد التتبع والاستقراء أن البواعث الرئيسة على الخطأ تنحصر في خمسة يندرج تحتها صور متعددة، وأقسام متنوعة، سأذكر تحت كل قسم خمسة أمثلة، وأُحيل في الحاشية إلى المواضع الأخرى.
السبب الأول: أن تقع المخالفة بين سبب النزول وآيات القرآن باعتبار التاريخ وهو قسمان:
أ - أن تقع المخالفة بين ما نزل قبل الهجرة أو بعدها. وإليك الأمثلة:
١ - أخرج ابن ماجه عن خباب - رضي الله عنه- في قوله:(وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) - إلى قوله -: (فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعيينة بن حصن الفزاري فوجدوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعدًا في ناس من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حول - النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حقروهم، فأتوه، فخلوا به وقالوا: إنا نريد أن تجعل لنا منك مجلسًا تعرف لنا به العرب فضلنا، فإن وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنك، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت. قال:(نعم) قالوا: فاكتب لنا عليك كتاباً، قال: فدعا