للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحلها كأن لم تكن، وما أهون المشكلات إذا نصبتها على ميزان السياق فعادت هباءً منبثاً.

ولست مبالغاً حين أقول: إن إهمال النظر في كامل السياق الذي ورد فيه الحديث قاد إلى زلل الأقدام، وضلال الأفهام في فهم النصوص الشرعية.

فكم من خطأ ينشأ في فهم المعاني، وتحديد الأسباب حين يجتث الكلام من وسطه دون نظر أو تأمل في أوله ومنتهاه.

والخطأ هنا لا يقتصر على مجرد اللفظ، بل تنسحب آثاره على الممارسة والعمل إذا كان محلُّ الخطأ نصوصَ الأعمال.

فيا ليت شعري متى ندرك أن الكلمات ليست ثمراتٍ تقطف إحداهن دون ما جاورها ولهذا كانت عناية المحققين من العلماء بالسياق كبيرة، ونصوصهم في التنبيه على دوره كثيرة، وسأنقل من أقوالهم ما يؤيد تلك الحقيقة، ثم أُتبعها بذكر أمثلة من دراستي للأسباب، وأثر السياق في نتيجتها.

فمن العلماء الذين بيّنوا أهميتها، أو جعلوها عمدة لهم في هذا الباب:

أولاً: ترجمان القرآن عبد اللَّه بن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حين اعترض على من فهم قوله تعالى: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا) على غير معناها لأنه لم يراع الآيات قبلها فقد أخرج مسلم وأحمد والبخاري والترمذي والنَّسَائِي أن مروان قال: اذهب يا رافع (لبوابه) إلى ابن عبَّاسٍ، فقل: لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبًا لنعذبن أجمعون، فقال ابن عبَّاسٍ: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما أُنزلت هذه الآية في أهل الكتاب. ثم تلا ابن عبَّاسٍ: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) وتلا ابن عبَّاسٍ: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ... ).

ثانياً: إمام المفسرين محمد بن جرير الطبري فقد اعتبر السياق فيصلاً في تحديد سبب النزول، وترك الحديث في سبب النزول مع صحة إسناده لما خالف السياق فقد أخرج أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي

<<  <  ج: ص:  >  >>