وهذا يدل على اعتباره السياق أصلاً، ولهذا قدم دلالته على دلالة الحديث.
رابعاً: ابن عطية فإنه لما ذكر قوله تعالى: (لَيْسُوا سَوَاءً) قال: (لما مضت الضمائر في الكفر والقتل والعصيان والاعتداء عامة في جميع أهل الكتاب، عقَّب ذلك بتخصيص الذين هم على خير وإيمان، وذلك أن أهل الكتاب لم يزل فيهم من هو على استقامة، فمنهم من مات قبل أن يدرك الشرائع فذلك من الصالحين، ومنهم من أدرك الإسلام فدخل فيه). اهـ ثم أشار إلى حديث ابن مسعود باختصار شديد. وقوله هذا يلاحظ فيه السياق، ولو اعتبر حديث ابن مسعود ما قال هذا الكلام.
خامساً: القرطبي حيث اعتبر السياق في قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ... ) الآية. وضعّف قول من قال: إنها نزلت في المشركين، فقد أخرج أبو داود والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه - قال:(إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... ) الآية. نزلت هذه الآية في المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه.
واستدل لتضعيف هذا القول بقوله تعالى:(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) ثم قال: قال. أبو ثور محتجاً لهذا القول: وفي الآية دليل على أنها نزلت فى غير أهل الشرك وهو قوله جل ثناؤه: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ). اهـ وهذه الآية تتلو آية الحرابة مباشرة.
سادساً: شيخ الإسلام ابن تيمية: فقد قال: (فمن تدبر القرآن، وتدبر ما قبل الآية، وما بعدها، وعرف مقصود القرآن تبين له المراد، وعرف الهدى والرسالة وعرف السداد من الانحراف والاعوجاج). اهـ.