وقد ذكر بعض المفسرين أنها نزلت بسبب عامر بن الطفيل، لكن أبى ذلك ابن عاشور فقال:(ولما كان عامر بن الطفيل إنما جاء المدينة بعد الهجرة، وكان جدال اليهود لا يكون إلا بعد الهجرة أقدم أصحاب هذه الأخبار على القول بأن السورة مدنية أو أن هذه الآيات منها مدنية، وهي أخبار ترجع إلى قول بعض الناس بالرأي في أسباب النزول، ولم يثبت في ذلك خبر صحيح صريح فلا اعتداد بما قالوه فيها، ولا يخرج السورة عن عداد السور المكية). اهـ.
وسأذكر عددًا من الأمثلة التي قمت ببحثها خلال دراستي وأعملت فيها هذا الضابط:
١ - قال اللَّه تعالى:(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) فقد أخرج البخاري وأحمد ومسلم والدارمي عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا أراد أن يدعو على أحد، أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع فربما قال إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده، ربنا ولك الحمد:(اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف) يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر:(اللهم العن فلانًا وفلانًا) لأحياء من العرب حتى أنزل اللَّه: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ).
ولفظ مسلم عنه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال:(اللهم العن لحيان ورعلاً، وذكوان، وعصية عصت اللَّه ورسوله) ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل اللَّه: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (١٢٨)
فهذا الحديث لا يصح أن يكون سبباً للنزول لأن الآية نزلت في سياق الحديث عن قصة أُحد، وأحد إنما كانت في السنة الثالثة، والدعاء على هؤلاء القبائل كان بعد قتلهم القراء في بئر معونة وذلك في صفر من السنة الرابعة، فكيف يتقدم النزول على السبب؟.