قال الطبري:(أَعلم الله جل ثناؤه نبيَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما اليهود والمنافقون قائلون من القول عند تحويل قبلته وقبلة أصحابه عن الشام إلى المسجد الحرام، وعلّمه ما ينبغي أن يكون من رده عليهم من الجواب. فقال له: إذا قالوا ذلك لك يا محمد، فقل لهم: (لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) اهـ.
وقال ابن كثير:(ولما وقع هذا أي (تحويل القبلة) حصل لبعض الناس من أهل النفاق والريب والكفرة من اليهود ارتياب وتخبيط وشك وقالوا: (مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا) أي قالوا: ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا وتارة يستقبلون كذا فأنزل الله جوابهم في قوله: (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) أي الحكم والتصرف والأمر كله للَّه: (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) و (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ) أي الشأن كله في امتثال أوامر الله، فحيثما وُجّهنا توجّهنا، فالطاعة في امتثال أمره) اهـ.
وقد صرَّح ابن حجر بذلك؛ وهو أن اليهود لما أنكروا ذلك نزلت:(سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ).
وفي قوله:(سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ) قال ابن عطية: (وجعل المستقبل موضع الماضي في قوله: (سَيَقُولُ) دلالة على استدامة ذلك، وأنهم يستمرون على ذلك القول، ونص ابن عبَّاسٍ وغيره أن الآية نزلت بعد قولهم) اهـ.
أما الخلاف في المدة التي صلاها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى بيت المقدس فقال فيها ابن حجر:(فيه تسع روايات - ثم حاول الجمع بين روايتي ستة عشر أو سبعة عشر باعتبارهما أصح الروايات - فقال: والجمع بين الروايتين سهل بأن يكون من جزم بستة عشر لفق من شهر القدوم وشهر التحويل شهراً وألغى الزائد، ومن جزم بسبعة عشر عدهما معاً، ومن شك تردد في ذلك، وذلك أن القدوم كان في شهر ربيع الأول بلا خلاف، وكان التحويل في نصف شهر رجب من السنة الثانية على الصحيح وبه جزم الجمهور.
وقال: تحرير المدة المذكورة ستة عشر شهراً وأيام) اهـ.