للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس مجرد المجيء، كما أفاد أن المراد بالبيوت بيوتهم وليست بيوتَ غيرهم، ولولا وجود سبب النزول ما تبين هذان المعنيان من لفظ الآية المجرد.

٣ - أخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنَّسَائِي عن عروة بن الزبير أنه سأل عائشة - رضي الله عنها -: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) قالت: هي اليتيمة في حجر وليها فيرغب في جمالها، ومالها، ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة نسائها فنهوا عن نكاحهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء. فسبب النزول هنا بيَّن الصلة في الآية بين الأمر بالقسط في اليتامى، وبين نكاح ما طاب من النساء، ولولا وجود السبب لم تتبين الصلة.

الفائدة الثانية: أن العلم بسبب النزول يرفع الإشكال، ويحسم النزاع قال الشاطبي: (إن الجهل بأسباب التنزيل موقع في الشُّبه والإشكالات، ومُورِد للنصوص الظاهرة مُورَد الإجمال حتى يقع الاختلاف، وذلك مظنة وقوع النزاع ويوضح هذا المعنى ما روى أبو عبيد عن إبراهيم التيمي. قال: خلا عمر ذات يوم، فجعل يحدث نفسه: كيف تختلف هذه الأمة، ونبيها واحد، وقبلتها واحدة، فقال ابن عبَّاسٍ: يا أمير المؤمنين إنا أُنزل علينا القرآن فقرأناه، وعلمنا فيم نزل، وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرؤون القرآن، ولا يدرون فيم نزل، فيكون لهم فيه رأي، فماذا كان لهم فيه رأي اختلفوا، فإذا اختلفوا اقتتلوا. قال: فزجره عمر وانتهره، فانصرف ابن عبَّاسٍ، ونظر عمر فيما قال، فعرفه فأرسل إليه، فقال: أعد عليَّ ما قلت، فأعاده عليه، فعرف عمر قوله وأعجبه، وما قاله صحيح في الاعتبار، ويتبين بما هو أقرب.

فقد روى ابن وهب عن بكير أنه سأل نافعًا كيف كان رأي ابن عمر في الحرورية؟

قال: يراهم شرار خلق الله، إنهم انطلقوا إلى آيات أُنزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين. فهذا معنى الرأي الذي نبه ابن عبَّاسٍ عليه، وهو الناشئ عن الجهل بالمعنى الذي نزل فيه القرآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>