وبهذا يتبين أن الثلاثة السابقة ليست من أسباب نزول الآية.
فإن قيل: ما سبب نزول الآية إذن؟
فالجواب: أن السبب ما ذكره أبو أيوب الأنصاري من أن الآية نزلت فيهم لما همُّوا بالإقامة على الأموال وإصلاحها وترك الجهاد مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ومما يدل على هذا أمور:
١ - أن أبا أيوب أحد الذين وقع منهم هذا لقوله: فقال بعضنا لبعض سراً دون رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصاحب القصة أعلم بالمراد بها من غيره.
٢ - قول أبي أيوب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فأنزل اللَّه على نبيه يردُّ علينا ما قلنا، فقد صرح بأن الآية ردٌّ عليهم في قولهم هذا، وإذا كانت رداً عليهم فكيف يقال إنها نزلت في غيرهم.
٣ - أن أبا أيوب امتثل ما أُمر فلم يزل شاخصاً في سبيل اللَّه حتى قبض، ومن البعيد جداً أن يستمسك أبو أيوب بهذا حتى الموت وهو يشك أن الخطاب بالآية يعنيه.
٤ - أن القائل بهذا القول هم أكثر السلف وأكثر المفسرين والأكثرون أقرب للصواب في الغالب.
فإن قيل: فما الجواب عن قول حذيفة نزلت في النفقة؟
فالجواب: أن حذيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لم يضف جديداً لأن الآية صدرت بالأمر بالإنفاق في سبيل، وهذا يتفق مع قول أبي أيوب تماماً لأن الجهاد في سبيل اللَّه يتضمن الإنفاق فيه بخلاف القعود على الأموال وإصلاحها ففيه من قصد الدنيا ما لا يخفى.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية قول أبي أيوب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومن معه من الأنصار في حديثهم عن الإقامة في الأموال وإصلاح ما ضاع منها لأن الحديث في ذلك صحيح صريح قائله صحابي شهد التنزيل بل هو أحد الذين نزلت بسببهم الآية، ولم يوجد ما يعترضه حقاً واللَّه أعلم.