قال الجارود: أبو هريرة يشهد على ما أقول، وذكر الحديث، فقال عمر: يا قدامة إني جالدك، قال: واللَّه لو شربتُ كما يقولون ما كان لك أن تجلدني، قال عمر: ولم؟ قال: لأن اللَّه يقول: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ) فقال عمر: إنك أخطأت التأويل يا قدامة، إذا اتقيت اللَّه اجتنبت ما حرم الله، وفي رواية فقال: لم تجلدني؟ بيني وبينك كتاب اللَّه. فقال عمر: وأيَّ كتاب اللَّه تجد أن لا أجلدك؟ قال: إن اللَّه يقول في كتابه: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا ... ) الآية فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا، شهدت مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بدراً، وأُحداً، والخندق، والمشاهد، فقال عمر: ألا تردون عليه قوله؟ فقال ابن عبَّاسٍ: إن هؤلاء الآيات أُنزلن عذراً للماضين، وحجةً على الباقين فعذر الماضين بأنهم لقوا اللَّه قبل أن تحرم عليهم الخمر، وحجةً على الباقين لأن الله يقول:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) ثم قرأ إلى آخر الآية الأخرى، فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا فإن اللَّه قد نهى أن يشرب الخمر. قال عمر: صدقت). اهـ.
فقدامة بن مظعون - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لما جهل سبب نزول الآية استدل بها على جواز شرب الخمر فوقع في الإشكال، والصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لعلمهم بسبب النزول أبطلوا استدلاله بالآية على شرب الخمر.
الفائدة الثالثة: أن معرفة سبب النزول تبين الحكمة الداعية إلى تشريع الحكم.