أتوا بدراً فلم يجدوا عدواً ووجدوا السوق فاشتروا بدراهمهم أُدما وتجارة وانقلبوا ولم يلقوا كيداً وربحوا في تجارتهم فذلك قوله تعالى:(بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ) أي فضل في تلك التجارة، والصواب ما قاله الجمهور أن هذه الآية نزلت في غزوة حمراء الأسد) اهـ.
وقال القرطبي:(وشذ مجاهد وعكرمة رحمهما الله تعالى فقالا: إن هذه الآية من قوله: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ) إلى قوله (عَظِيمٍ) إنما نزلت في خروج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى بدر الصغرى) ثم ذكر ما تقدم عن ابن عطية.
وقد ساق ابن القيم - رحمه الله - ما جرى سياقًا جميلاً مرتبًا فقال:(ولما انقضت الحرب انكفأ المشركون، فظن المسلمون أنهم قصدوا المدينة لإحراز الذراري والأموال فشق ذلك عليهم فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (اخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون وماذا يريدون، فإن هم جنَّبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنهم يريدون مكة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة فوالذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم ثم لأُناجزنّهم فيها). قال علي: فخرجت في آثارهم أنظر ماذا يصنعون، فجنبوا الخيل، وامتطوا الإبل ووجهوا إلى مكة، ولما عزموا على الرجوع إلى مكة أشرف على المسلمين أبو سفيان، ثم ناداهم: موعدكبم الموسمُ ببدر فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (قولوا نعم قد فعلنا) قال أبو سفيان: (فذلكم الموعد) ثم انصرف هو وأصحابه فلما كان في بعض الطريق، تلاوموا فيما بينهم، وقال بعضهم لبعض: لم تصنعوا شيئًا، أصبتم شوكتهم وحدَّهم، ثم تركتموهم وقد بقي منهم رؤوس يجمعون لكم فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم، فبلغ ذلك رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فنادى في الناس، وندبهم إلى المسير إلى لقاء عدوهم وقال:(لا يخرج معنا إلا من شهد القتال) فقال له عبد اللَّه بن أبي: أركب معك؟ قال:(لا) فاستجاب له المسلمون على ما بهم من القرح الشديد والخوف، وقالوا: سمعًا وطاعة. واستأذنه جابر بن عبد اللَّه وقال: يا رسول اللَّه إني أحب ألا تشهد مشهدًا إلا كنت معك وإنما خلفني أبي على