هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة وقد أورد المفسرون هذا الحديث وغيره عند تفسير الآية منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وغيرهم.
والظاهر عندي واللَّه أعلم أن الآية إنما تتحدث عن مؤمني أهل الكتاب كعبد اللَّه بن سلام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وغيره وبيان ذلك أن يقال:
إذ قوله تعالى:(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ)، قد تقرر أنها نزلت في اليهود كما تقدم عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ثم ذكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حال المؤمنين في تفكرهم وذكرهم لربهم ودعائهم إياه وما أجابهم به وتفضل عليهم ثم عاد بعد ذلك إلى ذكر الطائفة الأخرى من أهل الكتاب فأثنى عليهم بإيمانهم وخشوعهم وما لهم من الأجر عند الله على ذلك.
ولعل مما يعضد هذا الفهم وأن الحديث عن طائفتين من أهل الكتاب كافرة؛ ومؤمنة أن اللَّه قال عن الكافرة:(فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) أي نبذوا الكتاب. بينما وصف الأخرى بأنهم (لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا) فهاتان طائفتان متقابلتان.
فإن قال قائل: لماذا قدم الحديث عن الفئة الكافرة وأخّرَ الحديث عن الطائفة المؤمنة ولم يجعل الحديث عنهما متصلاً؟
فالجواب: أن الحديث عن الفئة الكافرة قدمه لصلته بما قبله من الحديث عنهم في وصفهم لربهم بأنه فقير وهم أغنياء وما تلى ذلك من مقالات السوء التي لا ينقطعون عنها.
وأخّر الحديث عن مؤمني أهل الكتاب لأنهم يتلون في الرتبة والمنزلة