فكانت هذه الصدور الحافظة مهداً لآي الذكر الحكيم، وكانت هذه القلوب الواعية أوعية لحديث النبي الكريم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ثانياً: عهد التابعين قبل تدوين السنة:
انتهى العهد النبوي الشريف بموت المصطفى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحمل الراية بعده أصحابه الكرام، حيث نذروا أنفسهم لتبليغ الدين بكل ما يستطيعون من قول أو عمل أو جهاد أو بذل، فكان التابعون يقصدون أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأخذ العلم عنهم بالسؤال تارةً، وبصحبتهم وسماع ما يروون تارةً، وكان هذا العلم من جملة ما حفظه التابعون عن أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واشتهر لبعض الصحابة رواة وتلاميذ يأخذون عنهم، ويروون علمهم فهذا عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتلاميذه زر بن حبيش وأبو وائل شقيق بن سلمة، وعلقمة، والأسود، وغيرهم، وهذا عبد اللَّه بن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وتلاميذه سعيد بن جبير، وعطاء ابن أبي رباح، وطاووس بن كيسان اليماني وغيرهم، وهذه أم المؤمنين عائشة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وتلاميذها كمسروق، وعروة بن الزبير، وأبي سلمة بن عبد الرحمن وغيرهم، وقد نُقل هذا العلم في هذه المرحلة بطريق التلقي والحفظ في الصدور أيضاً.
ثالثاً: عهد تدوين السنة:
التدوين على نحو محدود كان موجودًا حتى على عهد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولهذا كتب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كتابه الشهير لعمرو بن حزم، وأذن للصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أن يكتبوا لأبي شاه، وكذلك على عهد الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كما كتب أبو بكر لأنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كتابًا في شأن زكاة بهيمة الأنعام، واستمرت الحال كذلك على نحو فردي، حتى جاء الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - ورأى الحاجة داعيةً إلى تدوين الأحاديث وكتابتها، فكتب بذلك على رأس المائة الأولى إلى عامله وقاضيه على المدينة أبي بكر بن حزم:(انظر ما كان من حديث رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاكتبه فإني خفت دروس العلم، وذهاب العلماء) وأوصاه أن يكتب له ما عند عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية، والقاسم بن