وقد قال أبو العباس القرطبي - رحمه الله - بعد أن ساق الأسباب السابقة:(وأقرب هذه الأقوال وأصحها: قول عائشة - إن شاء اللَّه تعالى - وقد اتفق كل من يعاني العلوم على أن قوله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) ليس له مفهوم، إذ قد أجمع المسلمون على أن من لم يخف القسط في اليتامى له أن ينكح أكثر من واحدة اثنتين أو ثلاثاً أو أربعاً كمن خاف فدل ذلك على أن الآية نزلت جواباً لمن خاف وأن حكمها أعم من ذلك).
فإن قال قائل: عائشة لم تسند هذا إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فالجواب من ابن عاشور:(وهو أن سياق كلامها يؤذن بأنه عن توقيف، ولذلك أخرجه البخاري في باب تفسير سورة النساء بسياق الأحاديث المرفوعة اعتداداً بأنها ما قالت ذلك إلا عن معاينة حال النزول، وأفهام المسلمين التي أقرها الرسول - عليه الصلاة والسلام - لا سيمًا وقد قالت: ثم إن الناس استفتوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليه فيكون إيجاز لفظ الآية اعتداداً بما فهمه الناس مما يعلمون من أحوالهم).
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية الكريمة ما ذكرته عائشة - رضي الله عنها - في اليتيمة التي يرغب في مالها وجمالها ويريد أن يتزوجها وليُّها لكنه لا يقسط لها في صداقها ولا يعطيها حقها منه، فأمروا أن يتركوهن ويلتمسوا غيرهن من النساء اللاتي يطالبن بحقوقهن أو يطالب بها أولياؤهن لصحة سنده، وتصريحه بالنزول وموافقته للفظ الآية واتفاق جمهور المفسرين عليه. وسيأتي مزيد بحث لهذا إن شاء الله تعالى عند نزول قوله تعالى:(وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ). واللَّه أعلم.