الذين يقبضون روحه، يوبخونه بهذا التوبيخ العظيم ويقولون لهم: على أيِّ حال كنتم؟ وبأيِّ شيء تميزتم عن المشركين؟ بل كثرتم سوادهم، وربما ظاهرتموهم على المؤمنين، وفاتكم الخير الكثير والجهاد مع رسوله، والكون مع المسلمين، ومعاونتهم على أعدائهم، فحيثما كان العبد في محل، لا يتمكن فيه من إظهار دينه، فإن له متسعًا وفسحة من الأرض، يتمكن فيها من عبادة الله كما قال تعالى:(يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) اهـ بتصرف.
وذهب أكثر المفسرين إلى أن الآية نازلة في قوم آمنوا بمكة ولم يهاجروا إلى المدينة مع قدرتهم على ذلك فمنهم من مات بمكة ومنهم من خرج به المشركون إلى بدر قهراً فقتل هناك.
قال الطبري:(وذكر أن هاتين الآيتين (يعني الآية التي معنا والتي بعدها) والتي بعدهما نزلت في أقوام من أهل مكة كانوا قد أسلموا، وآمنوا بالله ورسوله، وتخلفوا عن الهجرة مع رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين هاجر، وعرض بعضهم على الفتنة فافتتن، وشهد مع المشركين حرب المسلمين فأبى الله قبول معذرتهم التي اعتذروا بها التي بيّنها في قوله خبرا عنهم:(قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) اهـ.
وقال البغوي:(نزلت في ناس من أهل مكة تكلموا بالإسلام ولم يهاجروا منهم فلان وفلان، فلما خرج المشركون إلى بدر خرجوا معهم فقتلوا مع الكفار) اهـ بتصرف.
وقال ابن عطية:(المراد بهذه الآية جماعة من أهل مكة كانوا قد أسلموا وأظهروا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإيمان به، فلما هاجر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقاموا مع قومهم، وفتن منهم جماعة فافتتنوا، فلما كان أمر بدر خرج منهم قوم مع الكفار فقتلوا ببدر فنزلت الآية فيهم) اهـ.