هذا الكتاب ألفه مالك في الحديث على طريقة الأبواب، ولم يلتزم قصره على الأحاديث المرفوعة إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بل أضاف إليه أقوال الصحابة، وفتاوى التابعين.
وحين البداءة بالموضوع يقدم حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم ما ورد من أقوال الصحابة، ثم ما ورد من فتاوى التابعين، وغالبًا يكونون من أهل المدينة، وأحيانًا يذكر ما عليه العمل أو الأمر المجمع عليه بالمدينة وقد يذكر بعض آرائه الفقهية، ومع هذا فصبغة الكتاب حديثية لا فقهية كما أنه - رحمه الله - لم يتقيد بالمسند المتصل، بل ذكر فيه حتى المرسل والمنقطع والبلاغات، وهي ما يقول فيها مالك: بلغني أو نحوه من غير أن يعين من روى عنه.
وقد روي أن عبد العزيز بن عبد اللَّه الماجشون سبق مالكًا فعمل كتابًا ذكر فيه ما اجتمع عليه أهل المدينة وأنه عمل ذلك كلامًا وآراء بغير حديث، فلما رآه مالك نظر فيه وقال: ما أحسن ما عمل، ولو كنت أنا الذي عملت لابتدأت بالآثار، ثم شددت ذلك بالكلام، ويظهر أن هذا هو الذي قوّى عزمه على إخراج كتابه كما أراد.
وقد اختلف في سبب تسميته (الموطأ) فقيل: إن مالكاً قال: عرضت كتابي هذا على سبعين فقيهًا من فقهاء المدينة، فكلهم واطأني عليه فسميته الموطأ.
وقيل: لأنه بصنيعه هذا قد وطأ العلم والحديث ويسرهما للناس.
وقد روي الموطأ بروايات مختلفة تختلف في ترتيب الأبواب، وفي عدد الأحاديث، وقد ذكر القاضي عياض أن الذي اشتهر من نسخ الموطأ نحو عشرين نسخة، وذكر بعضهم أنها ثلاثون.
والذي يظهر أن سبب الاختلاف يرجع إلى أن الإمام مالكًا كان دائم التهذيب والتنقيح لموطئه وحذف بعض الأحاديث، والذين سمعوا الموطأ سمعوه في أزمان مختلفة، فكان من ذلك الاختلاف في النسخ.
وقد اختلف في عدد أحاديث الموطأ نتيجة لاختلاف النسخ.
أما درجة أحاديثه فمن أهل العلم من قدمه على الصحيحين كأبي بكر بن