ثم أيضًا أكثر المفسرين على خلاف قول زيد بن أسلم والسدي، فلماذا الاحتجاج بقولهما على من سواهما، وفي ظني أن الذي ألجأه إلى هذا استشكاله البيّن للمسألة فقد قال عنها:
(وهي معضلة ما وجدت لدائها من دواء عند أحد)، وقوله:(خبأه الله ولم يتيسر بيانه على يدي أحد).
وأما الحجة الثانية وهو ما رواه البخاري عن عائشة فنزلت:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ) فالجواب عنها من وجهين:
الأول: أن هذه الزيادة انفرد بها عمرو بن الحارث وخالف فيها الثقات الأثبات ثم هو وإن كان ثقة إلا أن له مناكير كما ذكر الإمام أحمد. فهذه الزيادة لا يصح نزولها، وقد تقدم بحث الطرق وبيان الوهم عند ذكر الحديث في الحاشية.
الثاني: أن بين الآيتين مشابهة فاحتمال الخطأ في ذكر إحدى الآيتين وارد من جهة الألفاظ ففي سورة النساء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ) وفي المائدة - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ) فاتفقت الآيتان في أربعة ألفاظ، واختلفتا في لفظ واحد، مع وجود تشابه وتماثل في حرفي: القاف، والتاء مما يقرب من احتمال الخطأ.
وقد نبّه على هذين الوجهين باختصار ابن عاشور كما تقدم.
وبهذا تم الكلام على من احتج بتقديم آية المائدة في مشروعية التيمم.
وسأذكر خلاصة ما تقدم ليتبين أرجح القولين وأسعدهما بالصواب.
١ - أن آية التيمم في سورة النساء تقدمت في نزولها على آية التيمم في سورة المائدة لأنها نزلت قبل أن تحرم الخمر.
٢ - أن سورة المائدة من آخر القرآن نزولاً لا سيما صدرها ومنه آية الوضوء فقد تأخر نزولها كثيراً.
٣ - أن التيمم لم يكن في غزوة المريسيع قط لعدم الدليل الصحيح على ذلك، كيف وقد خالف ذلك الدليل الصحيح.
٤ - أن إحدى روايات البخاري التي فيها التصريح بنزول قوله: (يَا أَيُّهَا