فكانوا على ذلك حتى قدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة، وذَلَّت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ورسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يومئذ لم يظهر، ولم يوطئهما عليه، وهو في الصلح، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلاً، فأرسلت العزيزة إلى الذليلة: أن ابعثوا إلينا بمائة وَسْقِ، فقالت الذليلة: وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد، ونسبهما واحد، وبلدهما واحد، دية بعضهم نصف دية بعض؟ إنا إنما أعطيناكم هذا ضيماً منكم لنا، وفَرَقاً منكم، فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم ذلك. فكادت الحرب تهيج بينهما، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بينهم، ثم ذكرت العزيزة فقالت: والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم، ولقد صدقوا، ما أعطونا هذا إلا ضيماً منا، وقهراً لهم، فَدُسُّوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه: إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه، وإن لم يعطكم حذرتم، فلم تحكموه. فدسوا إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ناساً من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلما جاء رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أخبر اللَّه رسوله بأمرهم كله وما أرادوا، فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا) إلى قوله: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) ثم قال: فيهما واللَّه نزلت، وإياهما عنى اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -.