وحينئذٍ لا بد من النظر والترجيح بين هذه الأحاديث فأقول:
أما حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فليس سبباً في نزولها، وقد تقدم بيان هذا عند الآيتين في سورة البقرة والنساء، إلا أن يقال إن دعاء عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سبب غير مباشر لحصول البيان الشافي، وهذا ليس بسبب ظاهر في نزولها.
أما حديث أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فلا تقوم به حجة على نزولها بسبب ضعفه.
يبقى النظر في حديث سعد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وضرب الأنصاري له بلحي الجمل عندما شربا الخمر، وحديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في اقتتال القبيلتين من الأنصار حين شربوا الخمر.
أما حديث سعد فإسناده ثابت لأنه في مسلم، وسياق الحديث يوافق الآية الكريمة ي قوله:(إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) وهذا قد حصل فقد ضُرب سعد حتى فزر أنفه، ولا يخفى أثر مثل هذا التصرف على أحد ثم قوله: فأتيت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبرته فأنزل فيَّ شأن الخمر.
يؤكد حجية حديثه في شأن نزول الآية.
أما حديث ابن عبَّاسٍ في شأن اقتتال القبيلتين فإسناده حسن، وسياق الحديث يوافق الآية الكريمة، ولهذا لما أفاقوا من شربها، وجعل الرجل يرى الأثر بوجهه ورأسه ولحيته ويقول: قد فعل بي هذا أخي، واللَّه لو كان بي رءوفًا رحيماً ما فعل بي هذا فوقعت في قلوبهم الضغائن، وهذا الذي يريده الشيطان.
فإن قال قائل: ما الجمع بين الحديثين، أو الراجح منهما؟ فالجواب من وجوه:
الأول: أن القصتين وقعتا في زمن واحد فنزلت الآية تتحدث عنهما جميعاً.