وقال القرطبي:(قال المشركون: ولا نرضى بمجالسة أمثال هؤلاء - يعنون سلمان وصهيباً وبلالاً وخبّابًا - فاطردهم عنك، وطلبوا أن يكتب لهم بذلك فهمَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذلك، ودعا علياً ليكتب فقام الفقراء وجلسوا ناحية فأنزل اللَّه الآية. ولهذا أشار سعد بقوله في الحديث الصحيح: فوقع في نفس رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما شاء اللَّه أن يقع) اهـ.
وقال السعدي:(وكان سبب نزول هذه الآيات أن أُناسًا من قريش أو من أجلاف العرب، قالوا للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إن أردت أن نؤمن لك ونتبعك فاطرد فلاناً وفلانًا أناساً من فقراء الصحابة فإنا نستحي أن ترانا العرب جالسين مع هؤلاء الفقراء فحمله حبه لإسلامهم، واتباعهم له فحدثته نفسه بذلك فعاتبه اللَّه بهذه الآية ونحوها) اهـ.
وقال ابن عاشور:(والمعنى أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحرصه على إيمان عظماء قريش ليكونوا قدوة لقومهم ولعلمه بأن أصحابه يحرصون حرصه ولا يوحشهم أن يقاموا من المجلس إذا حضره عظماء قريش لأنهم آمنوا يريدون وجه اللَّه لا للرياء والسمعة ولكن اللَّه نهاه عن ذلك وسماه طرداً تأكيداً لمعنى النهي، وذلك لحكمة وهي كانت أرجح من الطمع في إيمان أولئك لأن اللَّه اطلع على سرائرهم فعلم أنهم لا يؤمنون، وأراد اللَّه أن يظهر استغناء دينه ورسوله عن الاعتزاز بأولئك الطغاة القساة، وليظهر لهم أن أولئك الضعفاء خير منهم وأن الحرص على قربهم من الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أولى من الحرص على قرب المشركين) اهـ.
وبعد نقل أقوال العلماء في سبب نزول الآيات الكريمة أقول:
إن حديث خباب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لا يصح أن يكون سبباً لنزول الآيات لاعتلال إسناده المفصل في موضعه وغرابة متنه أيضاً فقد قال ابن عطية لما ذكر حديث خباب: (وهذا تأويل بعيد في نزول الآية؛ لأن الآية مكية وهؤلاء الأشراف لم يفدوا إلا في المدينة، وقد يمكن أن يقع هذا القول منهم، ولكنه إن كان وقع