وخرج وأعمى الله أبصارهم عنه، حتى إذا استبطأوه جاءهم آتٍ وقال: خيبكم الله قد خرج محمد وذرَّ على رؤوسكم التراب فنفض كلٌّ منهم التراب عن رأسه ومنع الله رسوله منهم وأذن له في الهجرة إلى المدينة) اهـ.
وقال ابن عاشور:(أشارت الآية إلى تردد قريش في أمر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين اجتمعوا للتشاور في ذلك بدار الندوة في الأيام الأخيرة قُبيل هجرته) اهـ.
وبما تقدم من نصوص العلماء يتبين أن ابن العربي وحده ذهب إلى أن القصة سبب لنزول الآية، وما عداه من العلماء لم يذكروا السببية، لكنهم أشاروا إلى أن الآية تتحدث عن مكر قريش بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حبساً أو قتلاً أو نفياً وإخراجاً وهذا هو الصحيح فإنه لا شيء يدل على أن الآية نزلت بسبب تلك القصة بل الدليل يدل على عكس ذلك فإن هذا المكر والتشاور كان بمكة، والآية التي تتحدث عن ذلك مدنية ولهذا قال البغوي:
(واذكر إذ يمكر بك الذين كفروا وإذ قالوا اللهم؛ لأن هذه السورة مدنية وهذا المكر والقول إنما كانا بمكة ولكن الله ذكرهم بالمدينة كقوله تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) اهـ.
وإذا كان الأمر كذلك فكيف تنزل آية مدنية بسبب قصة مكية هذا خلاف المعهود عند العلماء في سبب النزول.
ثم يضاف إلى هذا أمران آخران:
الأول: أن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لم يذكر سبب النزول ولم يصرح به بل ذكر الآية من باب التفسير لها.
الثاني: أن الحديث ضعيف الإسناد فلا يحتج به على سبب النزول.
* النتيجة:
أن الحديث ليس سبباً لنزول الآية، لضعف سنده، وطول الأمد بين القصة ونزول الآية، مع ترك جل المفسرين الاحتجاج به على السببية واللَّه أعلم.