قال الطبري:(أجعلتم أيها القوم سقاية الحاج، وعمارة المسجد الحرام كإيمان من آمن باللَّه واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون هؤلاء وأولئك، ولا تعتدل أحوالهما عند الله ومنازلهما، لأن اللَّه تعالى لا يقبل بغير الإيمان به وباليوم الآخر عملاً، (وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أي لا يوفق لصالح الأعمال من كان به كافراً ولتوحيده جاحداً. إلى أن قال: الذين آمنوا باللَّه: صدقوا بتوحيده من المشركين وهاجروا دور قومهم وجاهدوا المشركين في دين الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأرفع منزلة عنده، من سقاة الحاج، وعمار المسجد الحرام وهم باللَّه مشركون) اهـ.
وقال السعدي: الما اختلف بعض المسلمين، أو بعض المسلمين وبعض المشركين في تفضيل عمارة المسجد الحرام بالبناء والصلاة والعبادة فيه وسقاية الحاج على الإيمان باللَّه والجهاد في سبيله أخبر الله تعالى بالتفاوت بينهما فذكر كلامًا إلى أن قال: فالجهاد والإيمان باللَّه، أفضل من سقاية الحاج، وعمارة المسجد الحرام بدرجات كثيرة لأن الإيمان أصل الدين، وبه تقبل الأعمال، وتزكو الخصال.
وأما الجهاد في سبيل اللَّه فهو ذروة سنام الدين، وبه يحفظ الدين الإسلامي ويتسع وينصر الحق ويخذل الباطل.
وأما عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاج فهي وإن كانت أعمالاً صالحةً فهي متوقفة على الإيمان، وليس فيها من المصالح ما في الإيمان والجهاد نلذلك قال:(لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ) اهـ محل الشاهد.
وقال ابن عاشور:(وأحسن ما روي في سبب نزول هذه الآية ما رواه الطبري والواحدي عن النعمان بن بشير ... ثم ساق الحديث الذي معنا) اهـ.
وقد قال القرطبي المحدث:(أما حديث النعمان هذا فمشكل على مساق الآية فإنه يقتضي أنها إنما نزلت عند اختلاف المسلمين في الأفضل من هذه الأعمال، وحينئذٍ لا يصلح أن يكون قوله تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ ... ) إلى قوله: (لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ) نزل جواباً لذلك، فإن أولئك المسلمين لم