أما قول ابن عطية:(وروي أن الآية كانت نزلت قبل ذلك) فإني لا أدري ما يعني بقوله هذا. هل يريد أن الآية مكية؟ أو يريد أنها نزلت في غير هذا الرجل، فاستعملها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيه؟ الله أعلم.
والظاهر لي - والله أعلم - أن قصة الرجل هي سبب نزول الآية لما يلي:
١ - أن أكثر الروايات تصرح بذكر النزول، فالبخاري، وأحمد، والنَّسَائِي، وابن ماجه لا يذكرون إلا النزول فقط.
وأما مسلم والترمذي ففي أكثر رواياتهم أيضاً لا يذكرون إلا النزول، وفي روايات قليلة ذكروا التلاوة (فتلا عليه)، ومعلوم أن كثرة هؤلاء قرينة من قرائن الترجيح وكيف لا يكون ذلك، والبخاري معهم.
٢ - قول ابن العربي: اتفقوا على قوله: (فأنزل الله أقم الصلاة) ولا أدري من يعني بالمتفقين هل يعني بهم المحدثين وشراح الحديث لأنه قاله في عارضته على الترمذي، أو يعني بهم المفسرين لأنه منهم أيضاً، لا أدري لكن ليس غريباً أن يعني به الطرفين، وإنما المقصود هنا الاتفاق على نزول الآية الكريمة.
٣ - احتجاج المفسرين بالقصة على النزول، وجعلها سبباً لها، ولا ريب أن احتجاجهم هذا يقوي القلب ويجرئُ على الإقدام.
وربما يؤيد النزول: أنه جاء في لفظ مسلم وتلا عليه هذه الآية (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ... ) فقال رجل من القوم: يا نبي اللَّه هذا له خاصة؟ قال:(بل للناس كافة).
وجه الدلالة على النزول: أن الآية لو كانت قد نزلت قبل القصة لكان معلوماً أنها ليست له خاصة لأن مبرر التخصيص لم يوجد بعدُ وهو قصة الرجل مع المرأة، وستكون عامة بدون سؤال، فالسؤال عند القصة يدل على أن الآية حديثٌ نزولُها، والله الموفق للصواب.
فإن قال قائل: ألفاظ الأحاديث التي ذكرتها ليست متطابقة لكنها متشابهة، فهل التشابه يدل على التغاير؟
فالجواب: لو كانت متطابقةً لما ذكرتها لأنها حينئذٍ ستكون حديثاً واحداً، أما التشابه فيدل على التغاير في التفاصيل وسرد القصة، أما أصلها