٤ - أن الآية لو نزلت بسبب حديث ابن عبَّاسٍ، فلماذا يعيد اليهود السؤال عن ذلك بالمدينة مرة ثانية، لا سيما أن اليهود قد علموا جواب اللَّه للمشركين في مكة حسبما يدل عليه حديث ابن عبَّاسٍ ولهذا قالوا بعد نزول الآية: أُوتينا علماً كثيراً، أُوتينا التوراة.
وبهذا يظهر ويتبين أن سبب نزول الآية الكريمة هو حديث ابن مسعود لما تقدم.
بقي أن أجيب عن أدلتهم في الجمع بين السببين وخلاصتها:
أن الآية نزلت عليه في المدينة مرة ثانية، وهذا غريب، إذ ما الفائدة؟
وما هي الحكمة أن تنزل عليه الآية مرة ثانية، وهي محفوظة في صدره،؟ مع أنه لا يوجد دليل يدل على تكرر النزول، والأصل عدمه.
ولو كانت الآية قد نزلت قبل ذلك لأجابهم بها حين سألوه عن الروح، ولم ينزل الوحي لذلك.
الثانية: أنه نزل عليه الوحي بأن يجيبهم عما سألوه بالآية المتقدم إنزالها عليه، وأضاف ابن عاشور:(أن النبي ظن أنهم أقرب من قريش إلى فهم معنى الروح) وهذا أغرب من سابقه والأمر لا يخلو من حالين:
الأولى: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعلم أن قريشاً أخذوا السؤال من اليهود كما دلّ عليه حديث ابن عبَّاسٍ وحينئذٍ فالجواب للفريقين، وعلى هذا ينتفي تعليل ابن عاشور.
الثانية: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يعلم أن قريشًا أخذوا السؤال من اليهود وهذا بعيد لأن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يعرف ما عند قومه من العلم، وما عند غيرهم من أهل الكتاب، ويعلم الصلات بين الطرفين حق العلم، وإذا كان كذلك فلماذا لم يتلو الآية على اليهود حين سألوه، واضطر لانتظار الوحي؟
وإذا كنا نقول بأن سبب النزول حديث ابن مسعود فإنه ينتفي الاحتمال ويرتفع الإشكال ويندفع الحالان.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآية الكريمة حديث ابن مسعود لصحة سنده، وموافقته لسياق القرآن، واحتجاج أكثر المفسرين به واللَّه أعلم.