أن اللَّه تعالى نهى عن الجهر والمخافتة، ولو كان المراد بالصلاة الدعاء لما نهى عن المخافتة به لأن هذا هو المشروع فيه لقوله تعالى:(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥).
قال السعدي:(وَخُفْيَةً) أي: لا جهر أو علانية، يخاف منه الرياء، بل خفية وإخلاصاً للَّه تعالى.
ثم ذكر كلامًا حتى قال: أو يبالغ في رفع صوته بالدعاء، فكل هذا داخل في الاعتداء المنهي عنه) اهـ.
فهذه دلالة السياق على أن الدعاء ليس مراداً هنا.
ويقال أيضاً: إن إطلاق الصلاة على الدعاء إطلاق لغوي، بينما إطلاق الصلاة على العبادة المعروفة إطلاق شرعي، والمتكلم بالقرآن هو المشرّع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإذا دار كلام الشارع بين أن يحمل على الاصطلاح الشرعي، أو الاصطلاح اللغوي وجب حمله على الشرعي لأن المتكلم به هو الشارع الحكيم.
فإن قال قائل: ما تقول في قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣).
أليس المراد بالصلاة هنا الدعاء بنص القرآن؟
فالجواب: بلى، لكن لوجود القرينة، وهي أنه لا يمكن أن يراد بالصلاة هنا الصلاة المعهودة.
فلم يبق إلا الدعاء. ولهذا كان من هدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدعاء لصاحب الصدقة، لما روي الشيخان عن عبد اللَّه بن أبي أوفى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أتاه قوم بصدقتهم قال:(اللهم صلِّ على آلِ فلان) فأتاه أبي بصدقته فقال: (اللهم صلِّ على آلِ أبي أوفى).