جبرائيل بالوحي، وقد ذكرت بعض الرواية، ونذكر إن شاء اللَّه باقي ما حضرنا ذكره مما لم نذكر قبل ... ثم ساق الروايات في ذلك حتى قال:
فتأويل الكلام إذن: فلا تستبطئنا يا محمد في تخلفنا عنك، فإنا لا نتنزل من السماء إلى الأرض إلا بأمر ربك لنا بالنزول إليها، للَّه ما هو حادث من أمور الآخرة التي لم تأت وهي آتية، وما قد مضى فخلفناه من أمر الدنيا، وما بين وقتنا هذا إلى قيام الساعة بيده ذلك كله، وهو مالكه ومصرفه لا يملك ذلك غيره، فليس لنا أن نحدث في سلطانه أمراً إلا بأمره إيانا به، ولم يكن ربك ذا نسيان فيتأخر نزولي إليك بنسيانه إياك بل هو الذي لا يعزب عنه شيء في السماء ولا في الأرض ... ) اهـ محل الشاهد.
قال السعدي:(استبطأ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جبريل - عليه السلام - مرة في نزوله إليه فقال له: (لو تأتينا أكثر مما تأتينا) شوقاً إليه، وتوحشاً لفراقه، وليطمئن قلبه بنزوله. فأنزل الله على لسان جبريل (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) أي ليس لنا من الأمر شيء، إن أمرنا ابتدرنا أمره ولم نعص له أمراً كما قال اللَّه عنهم:(لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، فنحن عبيد مأمورون.
ثم ذكر كلامًا حتى قال:(وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) أي لم يكن لينساك ويهملك كما قال تعالى: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) بل لم يزل معتنياً بأمورك، مجرياً لك على أحسن عوائده الجميلة وتدابيره الجليلة.
فإذا تأخر نزولنا عن الوقت المعتاد، فلا يحزنك ذلك ولا يهمك، واعلم أن الله هو الذي أراد ذلك لماله من الحكمة فيه) اهـ بتصرف يسير.
وقال ابن عاشور:(وهو أصح ما روي في سبب نزولها وأليقه بموقعها هنا ولا يلتفت إلى غيره من الأقوال في سبب نزولها) اهـ.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور سبب نزول الآية الكريمة لصحة سنده وتصريحه بالنزول، وموافقته لسياق القرآن، وإجماع المفسرين على القول به. واللَّه أعلم.