فذكرت الحديث وفيه: قالت: فأوحى الله إليه ثم رُفع عنه وإن العرق في يده ما وضعه فقال: (إنه قد أُذن لكنَّ أن تخرجن لحاجتكن)) اهـ.
وقال ابن عاشور:(لما بيَّن الله في الآيات السابقة آداب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع أزواجه قفّاه في هذه الآية بآداب الأمة معهن، وصدره بالإشارة إلى قصة هي سبب نزول هذه الآية ثم ذكر حديث أنس في قصة زينب).
ثم جمع بين حديث أنس في قصة زينب، وحديث أنس في قصة عمر:(وافقت الله في ثلاث) فقال: (وليس بين الخبرين تعارض لجواز أن يكون قول عمر كان قبل البناء بزينب بقليل ثم عقبته قصة وليمة زينب فنزلت الآية بإثرها) اهـ.
وبعد ذكر أقوال المفسرين في سبب النزول سأذكر الراجح من هذه الأقوال مستعيناً باللَّه فأقول:
أما حديث عائشة - رضي الله عنها - في قصة أكلها مع عمر، وإصابة أصبعه أُصبعها فلا يصح سبباً للنزول لضعف سنده، وغرابة متنه.
وأما حديث أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قصة زينب بنت جحش - رضي الله عنها - فلا ريب أنه سبب نزولها لأن سياق القرآن يطابق الحديث تماماً.
وأما حديث أنس عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (وافقت ربي في ثلاث وفيه: قلت: يا رسول اللَّه يدخل عليك البر والفاجر فلو أَمرت أُمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب) فهذا لا يعارض حديث أنس؛ لأن عمر يشير على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بما يرى، لكن النزول كان في قصة زينب، والأمر كما قال ابن عاشور:(جائز أن يكون قول عمر قبل البناء بزينب بقليل فنزلت الآية بإثرها).
وأقول: جائز أن يكون قوله قبل البناء بكثير لكنَّ حكمة أحكم الحاكمين اقتضت أن يتأخر نزول الحجاب إلى قصة زينب.
وأما حديث عائشة - في قصة عمر مع سودة وقولها: فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - آية الحجاب. فمعارض بأمور:
الأول: أن لفظ البخاري ومسلم عنها - رضي الله عنها - بدون نزول آية الحجاب بل اقتصر على الإذن لهن بالخروج عند الحاجة، وما رواه الشيخان مقدم على ما انفرد به أحدهما.