وإذا كان أسلوب الحديث في الآيتين واحدًا فلماذا تكون الأولى في اليهود، والثانية في المنافقين؟
٣ - أن وصف المنافقين بذلك أقرب من وصف اليهود لأنهم يعرفون من أحوال المؤمنين ما لا يعرفه اليهود، ويشاهدون ما لا يشاهدون وذلك بسب القربى وإظهار الإيمان، وإذا كانوا كذلك فهم أقدر على المناجاة بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وقد حكى الله عنهم في سورة عُنيت بفضحهم بأنهم يتناجون بالإثم والعدوان فقال سبحانه:(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (٧٨) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، ومعلوم أن اللمز والسخرية بالمؤمنين من الإثم والعدوان ومعصية الرسول. بينما لا أعرف بين دفتي المصحف آية تحدثت عن مناجاة اليهود في العصر النبوي.
وبناءً على ما تقدم يرد سؤالان اثنان:
الأول: ما الجواب عن قول عائشة - رضي الله عنها - فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ).
فالجواب: أن الآية لما تضمنت التحية وكانت عائشة - رضي الله عنها - سمعت اليهود يحيونه بالسام ظنت أنها نزلت فيهم فقالت: فأنزل الله. وليس الأمر في الواقع كذلك لأن الحديث عن التحية محدود جدًا في ضمن الحديث عن النجوى، والنهي عنها، وأنها من الشيطان، وأَمْرِ المؤمنين بالتناجي بالبر والتقوى.
فلماذا ينصبُّ الحديث على المحدود ويترك الكثير المبسوط؟ أليس هذا خلاف المعهود؟.
الثاني: إذا كان المراد بالآية المنافقين، فما المراد إذن بقوله:(حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ)؟.
فالجواب: ابن عاشور ذكر: (أنهم كانوا يقولون: أنعم صباحًا وهي تحية