قال الطبري:(يقول تعالى ذكره: أشق عليكم وخشيتم أيها المؤمنون بأن تقدموا بين يدي نجواكم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صدقات الفاقة) اهـ.
وقال البغوي:(قال ابن عبَّاسٍ: وذلك أن الناس سألوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأكثروا حتى شقوا عليه فأراد اللَّه أن يخفف على نبيه ويثبطهم ويردعهم عن ذلك فأمرهم أن يقدموا صدقة على المناجاة مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) اهـ.
والظاهر - واللَّه أعلم - أن هذا الحديث لا يصح أن يكون سبباً لنزول الآية لما يلي:
١ - أن إسناد الحديث ضعيف وتفصيله في موضعه من الحاشية.
٢ - أن سياق الحديث يقتضي أن الذي أشفق من ذلك هو علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والناظر في سياق الآية من أولها إلى آخرها يجد أن حديثها بصيغة الجمع مما يدل على أن الإشفاق منهم وليس من علي وحده.
٣ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لعلي: إنك لزهيد لما اقترح شعيرة وهذا يعني وبقتضي أن علياً أرحم بالناس من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وليس الأمر والله كذلك فليس أرحمَ بالناس من الناس أحدٌ من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول اللَّه تعالى عنه:(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨).
٤ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استشار علياً في مقدار الصدقة وهذا يخالف المعهود عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من استشارة صاحبيه الكبيرين أبي بكر وعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - جميعاً.
وبناءً على ما تقدم فليس الحديث المذكور سبب نزولها بل ربما نزل التخفيف لمجرد علم اللَّه بمشقة ذلك عليهم من غير طلب منهم أو من أحدهم واللَّه أعلم.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سبب نزولها لضعف إسناده، وعدم موافقته السياق القرآني والمشهور من حال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من عدة وجوه واللَّه أعلم.