للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في القلب ما يفعل السهم في الرمية، فإن لم تقتله جرحته، وهي بمنزلة الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس، فإن لم تحرقه كله، أحرقت بعضه، كما قيل:

كل الحوادث مبدؤها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر

كم نظرة فتكت في قلب صاحبها ... فتك السهام بلا قوس ولا وتر

والمرء ما دام ذا عين يقلبها ... في أعين الغيد موقوف على خطر

يسر مقلته ما ضر مهجته ... لا مرحبا بسرور عاد بالضرر (١)

والله سبحانه مطلع على أعمالنا سرها وعلانيتها ألا ترى أنه سبحانه وتعالى عقب على الأمر بغض البصر وحفظ الفرج بقوله: {إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} وهو سبحانه: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} (٢).

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة: فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه" متفق عليه.

قال الشنقيطي رحمه الله: محل الشاهد منه قوله - صلى الله عليه وسلم - "فزنا العين النظر" فإطلاق اسم الزنا على نظر العين إلى ما لا يحل دليل واضح على تحريمه والتحذير منه.


(١) الجواب الكافي (٢٢٤).
(٢) أحكام النظر لابن القيم (٩).

<<  <   >  >>