للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أخي الحبيب: اعلم أن الكلام ترجمان يعبر عن مستودعات الضمائر ويخبر بمكنونات السرائر، لا يمكن استرجاع بوادره، ولا يقدر على رد شوارده، فحق على العاقل أن يحترز من زلله، بالإمساك عنه أو بالإقلال منه (١).

هنا موقف أبان فيه اللسان عن حقيقة الرجل ولو سكت لجهل أمره، فقد حكي عن أبي يوسف الفقيه أن رجلا كان يجلس إليه، فيطيل الصمت، فقال له أبو يوسف: ألا تسأل؟

قال: بلى، متى يفطر الصائم؟ قال: إذا غربت الشمس، قال: فإن لم تغرب إلى نصف الليل؟ فتبسم أبو يوسف رحمه الله وتمثل ببيتين من الشعر:

عجبت لإزراء العي بنفسه ... وصمت الذي قد كان بالقول أعلما

وفي الصمت ستر للعي وإنما ... صحيفة لب المرء أن يتكلما (٢)

أقام المنصور بن المعتز: لم يتكلم بكلمة بعد العشاء الآخرة.

أربعين سنة، وقيل: ما تكلم الربيع بن خثيم بكلام الدنيا عشرين سنة، وكان إذا أصبح وضع دواة وقرطاسا وقلما فكل ما تكلم به كتبه ثم يحاسب نفسه عند المساء (٣).

أخي الحبيب أين نحن من هؤلاء؟

قيل للقمان الحكيم: ما حكمتك؟ قال: لا أسأل عما كفيت


(١) أدب الدنيا والدين (٢٦٥).
(٢) أدب الدنيا والدين (٢٦٦).
(٣) الإحياء (٣/ ١٢١).

<<  <   >  >>