إن اللسان من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه الغريبة فإنه صغير جرمه، عظيم طاعته وجرمه، إذ لا يستبين الكفر، والإيمان إلا بشهادة اللسان وهما غاية الطاعة والعصيان (١).
فهذا المخلوق الصغير يعبر الإنسان عن بغيته ويفصح عن مشاعره، به يطلب حاجته ويدافع عن نفسه ويعبر عن مكنون فؤاده، يحادث جليسه ويآنس رفيقه، به السقطة والدنو وبه تظهر الهمة والعلو.
واللسان: رحب الميدان ليس له مرد، ولا لمجاله منتهى وحد، له في الخير مجال رحب وله في الشر ذيل سحب، فمن أطلقه عذبه اللسان وأهمله مرخى العنان سلك به الشيطان في كل ميدان وساقه إلى شفا جرف هار إلى أن يضطره إلى دار البوار، ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد. ألسنتهم ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع، فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة، ويكفه عن كل ما يخشى غائلته في عاجله وآجله.
وعلم ما يحمد فيه إطلاق اللسان أو يذم غامض عزيز والعمل بمقتضاه على من عرفه ثقيل عسير، وأعصى الأعضاء على الإنسان اللسان، فإنه لا تعب في إطلاقه ولا مؤنة في تحريمه وقد تساهل الخلق في الاحتراز عن آفاته وغوائله والحذر من مصائده وحبائله،