للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقتضي أن لا يوجد شيء، وأن كل الأشياء الموجودة حادثة بعد العدم مفتقرة إلى من يوجدها، وليس فيها من يوجد نفسه أو يوجد شيئاً بنفسه، ويبين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن هذا النوع يستلزم تسلسل الممتنعات؛ لأن ما لا يوجد حتى يوجد ما لا يوجد ممتنع، وكذلك فإن تقدير أمور كلها مفعولات ليس فيها غير مفعول ومخلوق مع عدم وجود فاعل خالق مباين لها ممتنع ضرورة.

وكثرة الممتنعات المفتقرات لا تقتضي إمكان شيء فيها فضلاً عن وجوده (١) وقد حذر النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم أمته من الوقوع في الوسواس الذي يرد على النفوس حول التسلسل في الفاعل، فقد ورد في الصحيحين عن أبي هريرة (٢)

رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله» وفي لفظ: «آمنت بالله ورسله» (٣) . وفي لفظ آخر: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته» (٤) .

وعن أنس بن مالك (٥) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: قال الله عزّ وجل: «إن


(١) انظر: النبوات لابن تيمية ١٣٢ - ١٣٣، الصفدية لابن تيمية ٢/٦٨ - ٦٩.
(٢) أبو هريرة: عبد الرحمن بن صخر الدوسي، مشهور بكنيته، واختلف في اسمه واسم أبيه كثيراً، كانت له هرة يلعب بها فكناه النبي صلّى الله عليه وسلّم أبا هريرة، أكثر الصحابة حديثاً وأحفظهم له، ت سنة ٥٧هـ.

انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر ٤/٢٠٢، الإصابة لابن حجر ٤/٢٠٢.
(٣) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه ١/١١٩ كتاب الإيمان، باب الوسوسة في الإيمان، وأبو داود في سننه ٥/٩١ - ٩٢، كتاب السنة، باب في الجهمية.
(٤) الحديث أخرجه البخاري في صحيحه ٦/٣٣٦ كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس وجنوده، ومسلم في صحيحه ١/١٢٠ كتاب الإيمان، باب الوسوسة في الإيمان.
(٥) أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأحد المكثرين من الرواية عنه، حضر بدراً ولم يذكر من البدريين لصغره، أقام بعد وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة ثم بالبصرة ومات بها سنة ٩٣هـ.
انظر في ترجمته: الاستيعاب لابن عبد البر ١/٧١، الإصابة لابن حجر ١/٧١.

<<  <   >  >>