للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المقدور المباين هو ممكن وهو قادر عليه، فالفعل أن يكون ممكناً مقدوراً أولى (١) .

الثالث: قولهم: إن قيام الحوادث به تغيّر، والله منزه عن التغير.

والجواب: أن لفظ (التغير) لفظ مجمل، فالتغير في اللغة لا يراد به مجرد كون المحل قامت به الحوادث، فإن الناس لا يقولون للشمس والقمر والكواكب إذا تحركت إنها قد تغيرت، ولا يقولون للإنسان إذا تكلم ومشى إنه تغير، ولا يقولون إذا طاف وصلى، وأمر ونهى، وركب إنه تغير إذا كان ذلك عادته، بل إنما يقولون تغير لمن استحال من صفة إلى صفة، كالشمس إذا زال نورها ظاهراً لا يقال إنها تغيرت، فإذا اصفرت قيل: تغيرت.

وإذا جرى أحد على عادته في أقواله وأفعاله فلا يقال إنه قد تغير، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: ١١] ، ومعلوم أنهم إذا كانوا على عادتهم الموجودة يقولون ويفعلون ما هو خير لم يكونوا قد غيروا ما بأنفسهم، فإذا انتقلوا عن ذلك فاستبدلوا بقصد الخير قصد الشر، وباعتقاد الحق اعتقاد الباطل قيل: قد غيروا ما بأنفسهم.

وإذا كان هذا معنى التغير: فالرب تعالى لم يزل ولا يزال موصوفاً بصفات الكمال، وكماله من لوازم ذاته، فيمتنع أن يزول عنه شيء من صفات كماله، ويمتنع أن يصير ناقصاً بعد كماله (٢) .

الرابع: قولهم: حلول الحوادث أفول، والخليل قد قال: {لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} [الأنعام: ٧٦] والآفل هو المتحرك الذي تقوم به الحوادث، والخليل قد نفى محبة من تقوم به الحوادث فلا يكون إلهاً (٣) .


(١) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٦/٢٤٧ - ٢٤٩، وانظر: ردوداً أخرى في درء تعارض العقل والنقل ٢/١٨١ - ١٨٥، ٤/٦٢.
(٢) انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٦/٢٤٩ - ٢٥٢، درء تعارض العقل والنقل ٢/٢٨٥، ٤/٧١.
(٣) انظر: أساس التقديس للرازي ص٣٥.

<<  <   >  >>