للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشيء متغيراً غير آفل، وقد يكون آفلاً غير متغير، وقد يكون متحركاً غير متغير، ومتحركاً غير آفل (١) .

وبعد ذلك ذكر شيخ الإسلام أن نفي النفاة للصفات الاختيارية - التي يسمونها حلول الحوادث (٢) - ليس لهم دليل عقلي عليه، وأما السمع فلا ريب أنه مملوء بما يناقض هذا القول. وقد احتال متأخروهم حين لم يكن معهم حجة عقلية ولا سمعية، فاحتجوا بما يسمونه بحجة الكمال والنقصان وهي: أن الصفات إن كانت صفات نقص وجب تنزيه الرب عنها، وإن كانت صفات كمال فقد كان فاقداً لها قبل حدوثها، وعدم الكمال نقص، فيلزم أن يكون كان ناقصاً، وتنزيهه عن النقص واجب بالإجماع (٣) .

وهذه الحجة فاسدة من وجوه:

أحدها: لا نسلم أن عدم هذه الأمور قبل وجودها نقص، بل لو وجدت قبل وجودها لكان نقصاً، مثال ذلك: تكليم الله لموسى عليه السلام ونداؤه له، فنداؤه حين ناداه صفة كمال، ولو ناداه قبل أن يجيء لكان ذلك نقصاً، فكل منها كمال حين وجوده، ليس بكمال قبل وجوده.


(١) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ٢/٢١٦، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ٦/٢٥٢، ٢٨٤، بغية المرتاد لابن تيمية ٣٦٠.
(٢) يبين شيخ الإسلام أن لفظ (حلول الحوادث) لفظ مجمل يحتاج إلى استفصال: فإن أريد به أنه لا يكون محلاً للتغيرات والاستحالات ونحو ذلك من الأحداث التي تحدث للمخلوقين فتحيلهم وتفسدهم فهذا المعنى صحيح، وإن أريد به أنه ليس لله فعل اختياري يقوم بنفسه، ولا له كلام ولا فعل يقوم به يتعلق بمشيئته وقدرته، وأنه لا يقدر على استواء أو نزول أو إتيان، بل عين المخلوقات هي الفعل، ليس هناك فعل ومفعول، بل المخلوق عين الخلق، والمفعول عين الفعل ونحو ذلك، فهذا معنى فاسد، والنفاة يوهمون الناس أن مقصودهم المعنى الأول، وهم يقصدون المعنى الثاني. انظر: درء تعارض العقل والنقل ٢/١٢، مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ١٢/١٤٢.
(٣) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية ٢/١٥٦، رسالة في الصفات الاختيارية لابن تيمية (ضمن جامع الرسائل) ٢/٣٤.

<<  <   >  >>