للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥ - أن المتكلمين المقرين بهذا الدليل قد اختلفوا في كثير من جزئياته وتفاصيله، فالبعض يقر ببعض المقدمات، والبعض يرد على هذه المقدمات التي يترتب بعضها على بعض. (١)

وذكر شيخ الإسلام رحمه الله أن طريقة إثبات الصانع التي لا تكون إلا بإثبات حدوث العالم، ولا يكون إثبات حدوث العالم إلا بإثبات حدوث الأجسام هي أساس الكلام الذي اشتهر ذم السلف والأئمة له.

والذامون لهذه الطريقة نوعان:

منهم من يذمها؛ لأنها بدعة في الإسلام، فإنا نعلم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يدع الناس بها ولا الصحابة؛ لأنها طويلة مخطرة كثيرة الممانعات والمعارضات، فصار السالك فيها كراكب البحر عند هيجانه، وهذه طريقة الأشعري (ت - ٣٢٤هـ) في ذمه لها، فبعد أن بين أن طريقة الرسول صلّى الله عليه وسلّم أوضح من طريقة المتكلمين، بيّن رحمه الله بعض أوجه القصور في دليل المتكلمين إذ يقول عن طريقة المتكلمين إنه: (لا يصح الاستدلال بها إلا بعد رتب كثيرة يطول الخلاف فيها، ويدق الكلام عليها، فمنها ما يحتاج إليه في الاستدلال على وجودها، والمعرفة بفساد شبه المنكرين لها ... وليس يحتاج - أرشدكم الله - في الاستدلال بخبر الرسول عليه الصلاة والسلام على ما ذكرناه من المعرفة بالأمر الغائب عن حواسنا إلى مثل ذلك؛ لأن آياته، والأدلة على صدقه محسوسة مشاهدة، قد أزعجت القلوب، وبعثت الخواطر على النظر في صحة ما يدعو إليه) (٢) .

وإن كان الأشعري (ت - ٣٢٤هـ) والخطابي (٣) ،


(١) انظر: بيان ذلك في عرض أدلة حدوث العالم عند المتكلمين على سبيل المثال: درء تعارض العقل والنقل ٢/٣٤٤، ٣/٣ - ١٨، ٣٥٠، ٤٤٨، الأربعين في أصول الدين للرازي ١/٢٩ - ٨١، انظر: موقف ابن تيمية من الأشاعرة للمحمود ٣/٩٨٦ - ٩٩٠.
(٢) رسالة الثغر ص٥٣ - ٥٤.
(٣) الخطابي: حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي، أبو سليمان الخطابي، إمام علامة حافظ لغوي، له مصنفات كثيرة، ت سنة ٣٨٨هـ.
انظر في ترجمته: طبقات الشافعية للسبكي ٣/٢٨٢، بغية الوعاة للسيوطي ١/٥٤٦.

<<  <   >  >>