فإن من أعظم منن الله سبحانه وتعالى على عباده أن بعث فيهم رسلاً مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وهداهم إلى صراطه المستقيم.
ولقد بين الله عزّ وجل هذه المنة بقوله:{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) }[آل عمران: ١٦٤] .
وقد بقيت الأمة فترة من الزمن على الجادة السوية، والسيرة المرضية، تعتمد - بمجموعها - على المصدرين الأساسيين: الكتاب والسنة، وتَعُبُّ من منهلهما الروي.
ثم جاء على الأمة الزمن الذي تقاذفت فيه بها الأهواء والبدع، فابتعد فئام عن ذلك المنهل، وبدأ يدب في جسم الأمة الضعف والمهانة، وذلك وفق ما أخبر به الصادق المصدوق صلّى الله عليه وسلّم من افتراق الأمة، كما افترقت اليهود والنصارى، حتى جاء زمان على الأمة كانت سوق البدعة فيه رائجة، وكاد ينطفئ نور السنة، إذ كانت الدولة على خلاف السنة، فكانت الكلمة لأهل الأهواء، والسلطة بأيديهم، حتى انتشرت كثير من البدع والأهواء عند العامة والضعفاء (١) .
وكان للمبتدعة مصالح ومطامح في ظل البدعة، وغياب السنة، تغيب تلك المصالح إذا قام أئمة السنة بواجبهم، وحذروا من الدخائل على المعتقد والدين، فنهج المبتدعة نهجاً أبعدوا فيه علماء أهل السنة عن ملاقاة الناس، وأقصوهم لئلا يقولوا كلمة الحق، فيفتضح أمرهم ... وكان التاريخ دولاً بين أهل السنة وأهل البدعة، فمرة تكون الغلبة لهؤلاء، ومرة لهؤلاء، وقد تكون السنة أو البدعة في مكان دون مكان.
(١) انظر لمعرفة بدايات ظهور البدع في صدر الإسلام: الأهواء والفرق والبدع عبر تاريخ الإسلام للعقل.