للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على فراشك، قال: فجاءت وقد عرق، واستنقع (١) عرقه على قطعة أديم على الفراش، ففتحت عتيدتها (٢) ، فجعلت تنشف ذلك العرق فتعصر في قواريرها، ففزع النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «وما تصنعين يا أم سليم؟» فقالت يا رسول الله نرجو بركته لصبياننا، قال: «أصبت» (٣) ، وهذا خاص به صلّى الله عليه وسلّم في حياته، فلا يقاس عليه غيره.

والتبرك بآثار الرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته مشروع فيما بقي من آثاره، إلا أن آثاره صلّى الله عليه وسلّم قد انتهت بعد انتهاء جيل الصحابة على الصحيح.

وأما قصد الآثار المكانية كقبر الرسول صلّى الله عليه وسلّم، أو ما مسته يد الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأجل التبرك فهذا محذور من أوجه عدة منها:

١ - أن هذا النوع من التبرك لم يكن في عهده صلّى الله عليه وسلّم، ولم ينقل فيه شيء نقلاً مصدقاً، لا بإسناد صحيح ولا حسن ولا ضعيف، وإذا لم ينقل مع توافر الدواعي على نقله علم أنه لم يكن في زمانه صلّى الله عليه وسلّم.

٢ - أن بركة ذوات الأنبياء لا تتعدى إلى الأمكنة الأرضية، وإلا لزم أن تكون كل أرض وطئها، أو جلس عليها، أو طريق مر بها، تطلب بركتها، ويتبرك بها، وهذا لازم باطل قطعاً، فانتفى الملزوم.

٣ - أن الأمكنة الأرضية لا تكون مباركة إلا بدوام الطاعة فيها، وهي سبب إعطاء الله البركة، حتى المساجد فإنها مباركة لذلك، إلا أن بركتها لا تدوم مع زوال الطاعات عنها.

٤ - أن التبرك بالآثار المكانية وسيلة إلى ما هو أعظم من تقديسها، والاعتقاد فيها وهذا محذور.


(١) استنقع: أي اجتمع وثبت. انظر لسان العرب لابن منظور ٨/٣٥٩ مادة (نقع) .
(٢) العتيدة: وعاء الطيب. انظر لسان العرب لابن منظور ٣/٢٧٩ مادة (عتد) .
(٣) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه ٤/١٨١٦ كتاب الفضائل، باب طيب عرق النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد ذكر النووي رحمه الله في شرح مسلم ١٥/٨٧ أن أم سليم كانت محرماً للرسول صلّى الله عليه وسلّم.

<<  <   >  >>