للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن عبد الهادي (ت - ٧٤٤هـ) عن إسناد هذه القصة: (ليست هذه الحكاية المنكورة عن الأعرابي مما يقوم به حجة، وإسنادها مظلم مختلف، ولفظها مختلف أيضاً) (١) ، ففي سندها ومتنها اضطراب.

ولو كان عمل هذا الأعرابي عند قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم مشروعاً لسبقه إليه من كان إلى الخير أسبق، وإلى السنة أوفق من الصحابة والتابعين، لكنهم لم يعملوا هذا العمل، ولم يدلهم إليه الرسول صلّى الله عليه وسلّم فدل على أن هذا العمل باطل لا تقوم به حجة، ولا يعمل مثل هذا العمل المبتدع إلا من ضعف إيمانه أو من جهل قدر الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأمره (٢) .

وأما الحال الرابع: وهو التوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم في عرصات القيامة ليشفع للناس: فإن أريد بالتوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم طلب الشفاعة منه يوم المحشر الشفاعة العظمى (٣) ، فهذا مما أجمع عليه المسلمون، كما قال ابن تيمية رحمه الله: (أجمع المسلمون على أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يشفع للخلق يوم القيامة، بعد أن يسأله الناس ذلك وبعد أن يأذن الله له في الشفاعة) (٤) ، كما قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: ٢٨] ، وقال: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٥٥] .

وقال رحمه الله: (من شك في شفاعة النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم القيامة فهو مبتدع ضال) (٥) .

وأما إلزام من لم ير التوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته بأنه لا يرى أنه رسول الآن، وأنه ليس له جاه، فهذا إلزام باطل، وتصوره كافٍ في الرد عليه؛ لأنه قام على أساس باطل وهو مشروعية التوسل بالرسول صلّى الله عليه وسلّم بعد وفاته، والمشروعية حكم شرعي يحتاج إلى دليل، والدليل يدل على خلاف ذلك، إذ


(١) الصارم المنكي ص٢٥٣.
(٢) انظر: قاعدة في المحبة لابن تيمية (ضمن جامع الرسائل ٢/٣٧٧ - ٣٧٨) .
(٣) وهذا هو الذي يقصده المبتدعة؛ لأن كثيراً من الناس يطلقون لفظ الشفاعة ويريدون بها التوسل كما ذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله في قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص١٥١.
(٤) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص٢٤٤.
(٥) الرد على البكري ص١٣١.

<<  <   >  >>