للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما التبرك بالصالحين فهو لفظ مجمل لا يتضح الحكم فيه إلا إذا أُزيل الاشتباه والإجمال:

فإن أريد بالتبرك بالصالحين: التبرك بمجالستهم كالانتفاع بعلمهم، أو بدعائهم، أو نصيحتهم، فهذا تبرك مشروع (١) .

كما قد بين ابن تيمية رحمه الله أن لفظ التبرك بالصالحين مجمل، ثم بين المعنى الصحيح للتبرك بقول: (أما الصحيح ... فببركة اتباعه صلّى الله عليه وسلّم وطاعته حصل لنا من الخير ما حصل، فهذا كلام صحيح ... وأيضاً: إذا أريد بذلك أنه ببركة دعائه وصلاحه دفع الله الشر، وحصل لنا رزق ونصر فهذا حق) (٢) .

إلى أن قال: (فبركات أولياء الله الصالحين باعتبار نفعهم للخلق بدعائهم إلى طاعة الله، وبدعائهم للخلق، وبما ينزل الله من الرحمة، ويدفع من العذاب بسببهم حق موجود، فمن أراد بالبركة هذا، وكان صادقاً، فقوله حق) (٣) .

وأما إذا أريد بالتبرك بالصالحين: التبرك بآثارهم من بعد موتهم، فهذا باطل، فلم يأمر بذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا أصحابه، ولا التابعون ومن بعدهم من سلف الأمة، والمؤمن مأمور بمتابعة الرسول صلّى الله عليه وسلّم في كل أمر ونهي، بطاعته في فعل الأوامر على الوجه الذي فعله الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأمر به، وكذلك في باب النهي ينتهي عما انتهى عنه الرسول صلّى الله عليه وسلّم ونهى عنه.

وقد فرق أهل العلم في الأمكنة التي تعبّد بها الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهو نبينا صلّى الله عليه وسلّم المعصوم الذي أمرنا بالاقتداء به، هل تعبده فيها قاصداً لهذه البقعة، أم تعبده فيها كان اتفاقاً. فإذا كان تعبده فيها قاصداً لها فنحن مأمورون بالاقتداء.

وأما إذا كان اتفاقاً لا قصداً: فجمهور الصحابة أنه لا يُتحرى هذا المكان بالعبادة. ويقال هذا في عمل النبي صلّى الله عليه وسلّم الذي بركته ذاتية، وله من


(١) انظر: التبرك أنواعه وأحكامه للجديع ص٢٦٩.
(٢) مجموع فتاوى ابن تيمية ١١/١١٣.
(٣) مجموع فتاوى ابن تيمية ١١/١١٤.

<<  <   >  >>