للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدهما: كلما طفئت أوقدت.

ثانيهما: كلما سكن التهابها زدناهم سعيراً والتهاباً، وسكون التهابها من غير نقصان في آلامهم، ولا تخفيف من عذابهم (١) .

وقال تعالى: {إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيى} [طه:٧٤] .

فهذه الآية دلالتها على عدم فناء النار، واستمرار العذاب فيها، مثل دلالة قوله تعالى: {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر: ٣٦] ، وقوله: {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى} [الأعلى: ١١ - ١٣] ، ويذكر الماوردي (٢) رحمه الله أن هذا السياق يحتمل وجهين:

أحدهما: لا ينتفع بحياته، ولا يستريح بموته.

الثاني: أن نفس الكافر معلقة بحنجرته، كما أخبر الله عنه، فلا يموت بفراقها ولا يحيا باستقرارها (٣) .

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً * إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً} [الفرقان: ٦٥ - ٦٦] ، فعذاب الآخرة ملازم دائم لمن هو خالد في النار من الكفار، ولذا يقول الطبري (ت - ٣١٠هـ) رحمه الله: (إن عذاب جهنم كان غراماً ملحاً دائماً لازماً غير مفارق من عذِّب به من الكفار، ومهلكاً له) (٤) ، ومنه سمي الغريم لملازمته لغارمه. ومنه قول الأعشى (٥) :


(١) انظر: النكت والعيون للماوردي ٣/٢٧٥.
(٢) الماوردي: علي بن محمد بن حبيب البصري الشافعي، أبو الحسن، الإمام العلامة، صاحب التصانيف، اتهم بالاعتزال، ت سنة ٤٥٠هـ.
انظر في ترجمته: وفيات الأعيان لابن خلكان ٢/٤٤٤، طبقات الشافعية للسبكي ٥/٢٦٧.
(٣) انظر: النكت والعيون ٣/٤١٥.
(٤) جامع البيان ٩/٤١٠.
(٥) الأعشى: ميمون بن قيس من بني ضبيعة، كان جاهلياً، أدرك الإسلام في آخر عمره رحل إلى النبي في صلح الحديبية، وقابله أبو سفيان، وصالحه على أن يرجع من عامه ومعه مائة ناقة حمراء، فرجع، ومات في طريقه سنة ٧هـ.
انظر في ترجمته: الشعر والشعراء لابن قتيبة ٤٤، المؤتلف والمختلف للآمدي ص١٢.

<<  <   >  >>