للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانياً المانعون من الاستدلال بدلالة الاقتران:

ذهب الشافعية وأكثر المالكية وأكثر الحنابلة إلى إنكار دلالة الاقتران، وقالوا: إن الاقتران في اللفظ لا يوجب القران في الحكم (١)، وهو قول الجمهور.

[أدلة حجية دلالة الاقتران عند القائلين بها]

احتج المثبتون لدلالة الاقتران بأن العطف يقتضي المشاركة, فَإِنَّ حَرْفَ الْوَاوِ لِلْعَطْفِ , وَالْعَطْفُ لِلِاشْتِرَاكِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ فَيَقُولُ الرَّجُلُ جَاءَنِي زَيْدٌ وَعَمْرُو فَيَكُونُ إخْبَارًا بِمَجِيئِهِمَا.

واحتج أبو حنيفة رحمه الله على اقتضاء الاشتراك دون الترتيب (٢) بدخولها في باب التفاعل، تقول تضارب زيد وعمرو فانه يدل على الجمع المطلق دون الترتيب , ولهذا لا يصح أن يقال تضارب زيد ثم عمرو.


(١) انظر: اختيارات ابن القيم الأصولية (٢ |٤٩٤).
(٢) تنازع الفقهاء والأصوليون فيما بينهم حول حرف العطف الواو هل لمطلق الجمع من دون الترتيب أم للجمع والترتيب؟ فذهب الشافعي أنها للترتيب، وهو قول بعض الكوفيين منهم ثعلب وابن درستويه, وذهب الجمهور من أئمة العربية والأصول والفقه ونص عليه أنها للجمع من غير ترتيب، قال أبو علي الفارسي أجمع البصريون والكوفيون على أنها للجمع المطلق. وقال أبو سعيد السيرافي: أجمع النحويون واللغويون من الكوفيين والبصريين إلا قليلا منهم وجمهور = = الفقهاء على أن الواو للجمع من غير ترتيب. انظر: الفصول المفيدة في الواو المزيدة لصلاح الدين كيكلدي العلائي (ص ٦٧ـ ٧٣) دار البشير - عمان الطبعة الأولى، ١٩٩٠ م تحقيق: د. حسن موسى الشاعر.
قلت: ليس هذا محل بحثنا، وإنما محل البحث هو هل واو العطف تقتضي المشاركة في المعنى أو الحكم بين المعطوف والمعطوف عليه؟ والمعروف أن واو العَطْف هي أصلُ حروفِ العطف، ومَعْناها: إشراكُ الثاني فيمَا دَخَل فيه الأوّل، وليسَ فيها دليلٌ على أيّهما كانَ أوّلا.
وجاء في المستصفى لأبي حامد الغزالي (١|٢٤٠) ط دار الكتب العلمية:
مَسْأَلَةٌ: ظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعُمُومِ الِاقْتِرَانَ بِالْعَامِّ، وَالْعَطْفَ عَلَيْهِ. وَهُوَ غَلَطٌ إذْ الْمُخْتَلِفَانِ قَدْ تَجْمَعُ الْعَرَبُ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ أَنْ يُعْطَفَ الْوَاجِبُ عَلَى النَّدْبِ، وَالْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} عَامٌّ وَقَوْلُهُ بَعْدُ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} خَاصٌّ وقَوْله تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} إبَاحَةٌ وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} إيجَابٌ , وقَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ} اسْتِحْبَابٌ وَقَوْلُهُ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} إيجَابٌ اهـ

<<  <   >  >>