للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذا الحديث معجزة عظمى، تدل على صحة نبوته - صلى الله عليه وسلم - وإن كانت معجزاته صلوات الله عليه وسلامه أكثر من أن تحصر.

وهذه الدلالة التي ذكرنا تسمى دلالة الاقتران، وقد ضعفها أكثر أهل الأصول، كما أشار له صاحب مراقي السعود بقوله: أما قران اللفظ في المشهور ... فلا يساوي في سوى المذكور

وصحح الاحتجاج بها بعض العلماء. ومقصودنا من الاستدلال بها هنا أن ذكر {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (النحل: ٨) في معرض الامتنان بالمركوبات لا يقل عن قرينة دالة على أن الآية تشير إلى أن من المراد بها بعض المركوبات، كما قد ظهرت صحة ذلك بالعيان.

وقد ذكر في موضع آخر: أنه يخلق ما لا يعلمه خلقه غير مقترن بالامتنان بالمركوبات، وذلك في قوله: {سُبْحَانَ الذي خَلَق الأزواج كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأرض وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ} (يس: ٣٦) (١). انتهى

(٢) قوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} (النحل:٨).

ذهب مَالِكٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إلَى تَحْرِيمِ لحوم الْخَيْلِ. وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} وَتَقْرِيرُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعِلَّةَ الْمَنْصُوصَةَ تَقْتَضِي الْحَصْرَ فَإِبَاحَةُ أَكْلِهَا خِلَافُ ظَاهِرِ الْآيَةِ.

وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ كَوْنَ الْعِلَّةِ مَنْصُوصَةً لَا يَقْتَضِي الْحَصْرَ فِيهَا فَلَا يُفِيدُ الْحَصْرَ فِي الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ فَإِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي غَيْرِهِمَا اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَيْهِمَا لِكَوْنِهِمَا أَغْلَبَ مَا يَطْلُبُ وَلَوْ سَلِمَ الْحَصْرُ لَامْتَنَعَ حَمْلُ الْأَثْقَالِ عَلَى الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَلَا قَائِلَ بِهِ.


(١) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (٢ |٣٣٤ ـ ٣٣٥) للعلامة محمد الأمين بن محمد بن المختار الجكني الشنقيطي.، ط دار الفكر للطباعة والنشر. - بيروت. - ١٤١٥هـ - ١٩٩٥م.

<<  <   >  >>