للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذا الجواب الذي أدلى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تتجلى شخصيته الفذة، وما كان عليه من الخلق العظيم الذي أمدّه الله به.

وفي ذلك بيان شفقته على قومه، ومزيد صبره وحلمه، وهذا موافق لقوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ الله لِنتَ لَهُمْ} (١)، وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} (٢). فصلوات الله وسلامه عليه (٣).

وأقام - صلى الله عليه وسلم - بنخلة أياماً، وصمّم على الرجوع إلى مكة، وعلى القيام باستئناف خطته الأولى في عرض الإسلام، وإبلاغ رسالة الله الخالدة، بنشاط جديد، وجدٍّ وحماسٍ، وحينئذ قال له زيد بن حارثة: كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك؟ فَرُوي عنه (٤) أنه قال: ((يا زيد، إن الله جاعل لما ترى فرجاً ومخرجاً، وإن الله ناصر دينه، ومظهر نبيه)).

ثم سار حتى وصل إلى مكة فأرسل رجل من خزاعة إلى مطعم بن عدي ليدخل في جواره، فقال مطعم: نعم، ودعا بنيه وقومه فقال: البسوا السلاح، وكونوا عند أركان البيت، فإني قد أجرت محمداً، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام، فقام المُطْعمُ بن عدي على راحلته فنادى: يا معشر قريش إني قد أجرت محمداً فلا يهجه أحد منكم، فانتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الركن فاستلمه وصلى


(١) سورة آل عمران، الآية: ١٥٩.
(٢) سورة الأنبياء، الآية: ١٠٧.
(٣) انظر: البخاري مع الفتح، ٦/ ٣١٦، والرحيق المختوم، ص١٢٤.
(٤) انظر: زاد المعاد، لابن القيم، ٣/ ٣٣.

<<  <   >  >>