للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من الأرض، ثم استقبل به وجوههم، فقال: ((شاهت الوجوه)) (١)، فما خلق الله منهم إنساناً إلا ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة، فولَّوْا مدبرين، فهزمهم الله، وقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائمهم بين المسلمين (٢).

وقد قال العلماء: إن ركوب النبي - صلى الله عليه وسلم - البغلة في موضع الحرب، وعند اشتداد البأس هو النهاية في الشجاعة والثبات؛ ولأنه أيضاً يكون معتمداً يرجع الناس إليه، وتطمئن قلوبهم به وبمكانه، وإنما فعل هذا عمداً، وإلا فقد كانت له - صلى الله عليه وسلم - أفراس معروفة.

ومما يدلّ على شجاعته تقدمه - صلى الله عليه وسلم - وهو يركض بغلته إلى جمع المشركين، وقد فرَّ الناس عنه، ونزوله إلى الأرض حين غشوه مبالغة في الشجاعة والصبر، وقيل: فعل ذلك مواساة لمن كان نازلاً على الأرض من المسلمين، وقد أخبر الصحابة - رضي الله عنهم - بشجاعته - صلى الله عليه وسلم - في جميع المواطن (٣).

[الصورة الرابعة: شجاعته - صلى الله عليه وسلم - في الحماية لأصحابه:]

روى البخاري ومسلم، عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، ولقد فَزِعَ أهل المدينة ذات ليلةٍ، فانطلق الناس قَبِلَ الصوت، فاستقبلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سبق الناس إلى الصوت، وهو يقول: ((لم تراعوا، لم تراعوا))،وهو على فرس لأبي طلحة عري ما


(١) شاهت الوجوه، أي: قبحت. انظر: شرح النووي، ١٢/ ١٢٢.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب غزوة حنين،٣/ ١٤٠٢، برقم ١٧٧٧.
(٣) انظر: شرح النووي على مسلم، ١٢/ ١١٤.

<<  <   >  >>