وَلما كَانَ خطر السُّلْطَان جسيماً، ونفعه عميماً، كَانَ أجره عِنْد الله عَظِيما، ومقامه فِي الْجنَّة كَرِيمًا، وَلَو لم يكن فِي أجر الْعدْل مَا فِيهِ، لكَانَتْ مصَالح الْملك وَعمارَة الممالك تَقْتَضِيه، وَلذَلِك كَانَ كسْرَى وَغَيره من كفرة الْمُلُوك فِي غَايَة الْعدْل، مَعَ أَنهم لَا يَعْتَقِدُونَ ثَوابًا وَلَا عقَابا، لأَنهم علمُوا أَن بِالْعَدْلِ صَلَاح ملكهم، وَبَقَاء دولتهم، وَعمارَة بِلَادهمْ.
قَالَ الْحُكَمَاء: الْملك بِنَاء أساسه الْجند، والجند جَيش يجمعهُمْ المَال، وَالْمَال رزق تجلبه الْعِمَارَة، والعمارة عمل يَنْمُو بِالْعَدْلِ.
وَقَالَ الْحُكَمَاء: الْعَالم بُسْتَان سياجه الدولة، والدولة سُلْطَان يعضده الْجَيْش، والجيش جند يجمعهُمْ المَال، وَالْمَال رزق تجمعه الرّعية، والرعية عبيد ينشئهم الْعدْل.
وَقد اتّفقت شرائع الْأَنْبِيَاء وآراء الْحُكَمَاء والعقلاء أَن الْعدْل سَبَب لنمو البركات ومزيد (١٣ / أ) الْخيرَات، وَأَن الظُّلم والجور سَبَب لخراب الممالك، واقتحام المهالك وَلَا شكّ عِنْدهم فِي ذَلِك.
قيل: نزل ملك متخفياً فَمر بِرَجُل لَهُ بقرة، تحلب حلاب ثَلَاثِينَ بقرة فَعجب مِنْهَا، وعزم على أَخذهَا، فحلبت فِي الْغَد نصف حلبها، فَسَأَلَهُ الْملك عَن سَبَب ذَلِك فَقَالَ: أَظن أَن سلطاننا عزم على أَخذهَا، وظلم الْملك يذهب الْبركَة، فَنوى السُّلْطَان تَركهَا، وَعَاهد الله عَلَيْهِ، فجلبت من الْغَد عَادَتهَا، فعاهد السُّلْطَان ربه أَن يعدل مَا بقى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute