للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليس في لغتنا هذه الشريفة ولا في أمة أخرى من الأمم لفظة تدل على فاعل ومفعول أو فاعلين اشتركا في فعل واحد للذتهما ونفعهما. واحتاجا إلى من يدخل عليهما ليتعرف منهما أي رفع ونصب يجري بينهما. وبيانه أن لفظة الزواج عندنا معناها ضمّ واحد إلى آخر حتى يصير كل واحد منهما زوجا لصاحبه. ولكن من دون قيد مكان ولا زمان، فلو تزوج زيد بهند في سهل أو على قمة جبل أو كهف في يوم الأحد أو الاثنين أو السبت بشرط التراضي بأن يكتب الرجل للمرأة صكا مؤذنا بزواجه بها أو يشهد على ذلك رجلين لصحّ. هكذا كانت سنّة السلف المتقدمين من الأنبياء وغيرهم كما هو مسطور في تواريخهم. بل لم يكونوا يقيدون أنفسهم لا بالصك ولا بالشهود أما لفظ النكاح فمعناه إحراز امرأة على أي وجه كان. وذلك لأن عرب الجاهلية لم يكن عندهم آداب للنكاح والطعام وغيرهما حتى جاء الشرع فعرفه وميز الحلال من الحرام منه. قال أبو البقاء في الكليات-ولكن لم أجده في فصل النون فإن رأيته في غيره أنجزت ما وعدت به، وكنت أريد استشهد بكلامه على أن اسم النكاح لم يزل إلى الآن مستعملا وإنه في كتب الفقه أكثر من أن يحصى. وهو حجة على من أنكره من النصارى وعلى من استعاذ من ذكره. وإنما استعملته العلماء من دون محاشاة لأسباب. الأول أنه استعمل قديما من الجاهلية فأثبتته العاقلية. الثاني لوروده في القرآن. الثالث لاشتماله على أربعة أحرف وفاقا للطبائع والعناصر والجهات، الرابع لورودها في أسرار سور القرآن. فالنون في ن والقلم وما يسطرون والكاف في كهيعص أو الألف في ألم والحاء في حمز الخامس أنك إذا قلبت هذه اللفظة بدا لك منها معنيان شريفان. الأول اسم فاعل من حي والثاني فعل أمر من كان، وبه برزت الموجودات إلى العيان. وتجلت الحقائق لذوي العرفان. السادس لخفة اللفظ وحلاوته، السابع لكون أوله يدل على آخره وآخره على أوله. وقد سمي هذا النوع بعضهم دلالة الأول على الآخر وبالعكس. قال وفائدته إنه لو استشهد القاضي أحدا على فاعله فنطق بالنون والكاف ثم غشى عليه أو على القاضي تلحزا لذلك. عرف من بقي غير مغشي عليه بالمجلس القاضوي ما أراده القائل. وكذلك لو طرأ عليه عند أداء الشهادة ما قطعه عن الكلام شوقا وهيبة فلم يسمع منه إلا الألف والحاء لدل هذا الجزء الأخير مع قلة حروفه على جميع ما يراد من المدلول.

قلت وهو تعليل بديع غير أن هذه التسمية لا توجد في كتب البيانين والبديعيين. ولست أحب الألفاظ الطويلة فالأولى أن ينحت له لفظ من تلك الجملة بحيث يسلم الطرف. فإن قلت بل قد استعملت ألفاظا طويلة جداً في وصف البرنيطة بقولك المستقبحة المستفظعة مع أنه كان يمكنك أن تصفها بألفاظ قصيرة. قلت كان ذلك من باب مراعاة النظير. فإن طول البرنيطة يقتضيه. فأما مدلول اللفظ الذي نحن بصدده فإنه قصير. ثم أني كنت ابتدأت كلاما في أول هذا الفصل ولم أنهه فإن القلم زلق بي إلى معنى آخر على عادته. وأظن أن الجناب الرفيع أو الحضرة السنية لم يفهماه فمن ثم أقول الآن. إنه إذا كان المراد من الزواج أن كلاّ من الزوجين يزاوج صاحبه لنفسه لا لأهل البلد والمعارف والأصحاب كما كان عليّان يأكل فخذ الدجاجة لأمّ عليّ. لم يكن من المعقول أن يدمق عليهما ذو قبعة فيقول للمرأة لا تتزوجي هذا لكونه لم يسمّ بطرس ثم يقول للرجل لا تتزوج هذه لأنها لم تسمّ مريم. أو أن يقول هذا يوم الأحد لا يصح فيه الزواج. وهذه حجرة لا يحل فيها البعال. وإلا لصح أن يقول لهما أرياني الميل في المكحلة. ومثل هذا الكلام لعمري لا يليق لأحد أن يقوله أو يكتبه. ثم أن المرأة هي من الأشياء التي لكثرة تكرر النظر إليها كالشمس والقمر لم يود العقل حق اعتبارها. وبيانه أن الله عز وجل خلق المرأة من الرجل لتكون بمنزلة معين له على مصالحه المعاشية ومؤنس له في وحشته وهمومه. إلا أنّا نرى أن هذه العلة الأصلية كثيرا ما تستحيل عن صيغتها الأولوية. حتى أن بلاء الرجل وهمه ووحشته ونحسه وشقاوته وحرمانه بل هلاكه يكون من هذه المرأة. فتنقلب تلك الإعانة إحانة.

<<  <   >  >>