للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا يغرُرَنَّ الغِرّ منهنّ تقي ... ولا هُدى ولا نهى ولا حيَا

أو هذين

سَرْ مضرب الأرض في طول وفي عرض ... ترى النساء يبعن العرض كالعرض

بالرجل يصفقن عند البيَع لا بيَد ... وكل قاض على تسجيله يمضي

أو هذين

وإذا رأيت من الخرائد غادة ... تبدو وتخفَي فأرجعونَّ وصالها

وإذا دعتك لحاجة عنّت لها ... لتكون قاضيها فرج ما.....

أو ما قاله دعبل

لا يُؤيسِنَّك من مخدرّة ... قول تغلطه وإن جَرَحا

عسر النساء إلى مُياسرة ... والصعب يمكن بعد ما جمحا

واعلم أن البلاد التي يتجر فيها بعرض النساء بغير مانع إلا بمكس عليه قليل يدفع لبيت المال لبناء معابد وغيرها دون اعتبار لقول من قال أمطعمة الأيتام الخ. يقلّ فيها التغزل بهن. فإن الرجل هناك أيان الرجل خطر بباله أن رؤية الوجه الصبيح تنفي همَّه وتزيل بلباله. وتخف أثقاله. وتنفس عنه كربه وتجلو صدى قلبه وتصفي دمه. خرج فوجد ضالته تنتظره وراء الباب. فلا يحتاج عند ذلك إلى شكوى وعتاب وتواجُد. وإلى قوله أرق على أرق ومثلي يأرق. وكفى بجسمي نحولا إنني رجل. وذبت وجداً وغراماً ونحو ذلك. فأما البلاد التي يحظر فيها هذا فتجد الكلام في النساء متجاوزاً به وراء الحد. ولذلك كان في شعر الإفرنج الأقدمين من المجون ما تجده في كتب العرب. وما إلا لأن هذه البياعة كانت وقتئذ ممنوعة. فلما كثرت قلّ عندهم المجون. أما في الجبل فإنك لا تجد لهم بياعة ولا مجوناً. وحكى عن الفارياق إنه هوى واحدة من أولئك اللائي كن يترددن عليه ولم يكن يحظى إلا بلثم أخمصها فكان إذا أصبح يقول لصاحبه.

إن المقبل رجلها ليجل عن ... تقبيل راحة قسِّه وأميره

هن الفواتن للخلي فشعرة ... منهن خير من كنوز غروره

[محاورات خانية ومناقشات حانية]

لا بأس في أن نذكر هنا مثالاً لما كان يقع بين تلك الزمرة من المحاورات فنقول اجتمعت زمرتنا هذه مرة والكأس تدار عليهم. والسرور يرقص بين أيديهم. فقال أفصحهم مقالاً وألدهم جدالاً إي الناس فيما علمتم أنعم بألاّ وأحسن حالاً فقال من بيده الكأس هو من كان على مثل هذه الحالة. وفي راحته ذي الآلة. فقال له ليس ذلك على الإطلاق. ولم يقع عليه اتفاق. فإن هذه الحالة لا يمكن كونها دائمة. فتكون غبطتها غير تامة. وإنما هي بعض من كل وجز من جُل. وبقي النظر في الباقي. ولا خفاء أن مداومة المدام تورث السقام وتقهي عن الطعام. ولذلك سميت القهوة ولا يعتادها إنسان إلا حلت به الشقوة.

فقال آخر إن النعم الناس بإلاّ أَمير يجلس على أريكته وتحفه جماعة من حشمته وحفدته يأتيه رزقه رغداً. ويكفيه رازقه في المعيشة جهداً فإذا أوى إلى حريمه خلا بأزهر امرأة على أوطأ فراش فصدق فيه قولهم. أعجب الأشياء وثْر على وثْر. هذا وإنّ أكله المرازمة. وثيابه الناعمة. وأمره مطاع. وحكمه مقابل بالأتباع. فقال بعضهم ليس كذلك. وما الحقَّ فيما هنالك. فإن الأمير لا يخلو بامرأته إلا وهو مشغول الخاطر مكّدر السرائر إذ لا يزال يفكر في كونه مخوْناً بماله. مغشوشاً من عماله. يأكل رهطه رزقه ويذمونه. ويأتمنهم فيخونونه. ويعطيهم فيبخلونه. وهو مع ذلك مرصود منهم فيما يفعله. منتقد عليه بما يتعلمه. وأنه لا يود السفر ولا يتاح له ويتمنى رؤية غير بلاده. ولا يدرك أمله. فهو يحسد من يمشي في الأرض سبهللاً. ويغبط من يعتسف في الطريق ضللاً.

<<  <   >  >>